مخاطر الكساد .. وتحديات الاقتصاد
محمد محمود عثمان
لاشك أن الفزع والخوف من المستقبل هو الكابوس المفزع الذي يخيم على كل اقتصاديات العالم منذ انتشار وباء كورونا ، وتفشي الكساد جهارا عيانا ، ولن يرحم التاريخ القيادات السياسية والتنفيذية التي تولت إدارة أزمة كورونا ،ولم تستطع المفاضلة بين مخاطر الكساد ومخاظر الخسائر الاقتصادية ،التي يعانى منها كل قطاعات وفئات المجتمع ، لأنها أغرقت دولها في إجراءات واحترازات وقائية أثبت الواقع أنها غير مجدية في الوقاية من الوباء أو الحد من انتشاره ، لأنها لم توفق في الموازنة بين المخاطرتين ، والتي تظهر تبعاتها السلبية وبصماتها واضحة في انخفاض الاستهلاك والاستثمار وزيادة تكاليف التجارة، التي أثرت على جميع الأسواق الاقتصادية العالمية بدون تمييز ، في ظل تواجد وانتشار الوباء بدرجات متباينة
ولن تجدي كثيرا بعد ذلك محاولات الإسراع في التعافي الاقتصادي الذي يمكن أن يحدث بمعدلات ضعيفة جدا ، نتيجة للتأثير في كل من المستهلكين والشركات المنتجة،مع زيادة تفاقم المعاناة الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط للعمال الأقل أمانا اقتصاديا، وتحول الشركات نحو الإنتاج المحلي بدلاً من التوسع العالمي، لذلك من من الضروري قيام الشركات والأسر والحكومات بعمليات التقييم لعمليات المفاضلة بين المخاطر والعمل على زيادة تحسين إدارة الأزمة وتجويد الاستفادة من الموارد ، مع انتهاج سياسات أكثر تحرراً ومرونة والتركيز على الاستثمار وزيادة الإنتاج ، والتخفيف عن كاهل القطاع الخاص الذي يعاني وسوف يظل يعاني ، إذا ظلت السياسات القائمة مسيطرة على الفكر الاقتصادي ويحكمها الفزع من إصابات كورونا ، بدون حل المشاكل الاقتصادية التي تقف حجر عثرة في سبيل تعزيز النمو الاقتصادي، ولابد من الموازنة بين الرعاية الصحية والحفاظ على القدرات الاستهلاكية والإنتاجية وقوة العمل ومواجهة البطالة ، لأن الطريق إلى التعافي شاق ويحتاج إلى نفس طويل ، من خلال توفير الحافز للأسواق لإعادة البناء مرة أخرى في وقت قصير، لأن كورونا قدكشف القصور الشديد في الخدمات وفي قدرة الحكومات على سرعة التأهب لإجراء الإصلاحات الضرورية التي تتمكن خلالها من تخفيف الآثار الكارثية التي خلفها الوباء ، ماديا واقتصاديا ونفسيا بعد أن أصيبت القيادات التي تدير الأزمة بحالة من عدم اليقين والخوف ما تزال تخيم على قراراتهم ، ونتج عنها عدم الثقة في القدرة على تعويض خسائر الاقتصاد وعودته إلى طبيعته ، وهذا هو التحدي الأكبر أمام كل الاقتصادات ، ولا يمكن أن ننتظر حدوث معجزة، تعالج الكساد اقتصادي أو تقضي على التضخم وتحد من معدلات البطالة المتزايدة ، الأمر الذي يتطلب التنسيق العالمي لمساعدة البلدان النامية حتى تقف على قدميها وتنخرط في منظومة الاقتصاد العالمي ، خاصة أن معظم هذه الدول وإن لم تكن جميعها، كانت تعاني أصلا من هشاشة الاقتصاد والفساد وسوء الإدارة ، مما فاقم من تداعيات وباء كورونا وتأثرها بشدة ، لأن المخاطر عالية و الاقتصاد يواجه مصاعب حادة مع تزايد الإصابات بالفيروس ، وعدم اليقين باكتشاف إنتاج لقاح أو علاج فعال في المدى القريب ،لذلك تقع المسؤولية على المجتمع الدولي في كيفية توفير اللقاحات وتدبير متطلبات فتح الاقتصاديات الوطنية إذا ظل استمرار هذه الجائحة لعدة سنوات ، بدون وجود علاجات شافية من الوباء ، واعتقد أن البحث عن حل هذه الإشكالية غائب عن توقعات الكثير من المسؤولين على الرغم من معايشة الجميع لحالة الكساد الذي يُزيد من تعقيدات المشهد الاقتصادي، وما يصاحبة من التوترات السياسية والاجتماعية والأمنية، لذلك فإن مخاطر الكساد ستظل تهدد مستقبل الاقتصاد إذا لم نبذل الجهد في الاستعداد لمرحلة التعافي من الأزمة بالمزيد من الاستثمارات التي تعالج المشكلات الهيكلية التي تواجه القطاعات الصناعية والسياحية، ومساعدة الشركات التي أفلست أو أنها في الطريق للإفلاس ،وتطوير البيئة الداعمة للاستثمارات على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وخلق المزيد من فرص العمل في الفترة المقبلة ، واستيعاب العمالة المسرحة ،وتطوير التشريعات لتواكب المستجدات والمتغيرات العالمية ، ولا سيما أن المخاطر عالية حيث يواجه الاقتصاد مصاعب حادة مع تزايد عدد حالات الإصابة بالفيروس وعدم اليقين حول عملية إنتاج لقاح فعال ، لذلك سوف تتفاقم حدة عدم التوازن بين الدول في إطار تباين سرعة العودة إلى النشاط الاقتصادي من دولة إلى أخرى، ولاسيما إذا حدثت جولة جديدة من الإغلاقات والاحترازات إذا حاصرتنا موجة جديدة من الوباء ، وقتها سوف نقضي على البقية الباقية من عناصر ومقومات الاقتصاد، ونصبح أمام مشاكل أعمق وأعقد ، من هنا علينا أن نعمل في خط مواز بتشكيل لجان على مستوى عال من الخبرة والحنكة والعلم -على غرار اللجان العليا التي شكلت لمواجهة كورونا -، وأن تتولى هذه اللجنة التخطيط لمرحلة ما بعد كرونا أو لمرحلة التعايش معه ـ لأنه إذا أصبح كورونا يمثل نسخة طويلة الأمد فماذا نفعل أمام الواقع المؤلم الذي يفرض علينا مستقبلا أكثر إيلاما ؟ وعلينا أن نخطط للاقتصاد الذي يواجه تحديات جديدة تضاف إلى مخاطر الكساد الذي نعاني منه الآن .
.