عفوا رئيس الوزراء .. شروط البناء مُجحفة وبعيدة عن الواقع!
محمد محمود عثمان
عفوا دولة رئيس الوزراء دكتور مصطفي مدبولي ..العيد أقبل وليس على ألسنة الناس إلا قول الشاعر إليا أبوماضي :
أَقبَلَ العيدُ وَلَكِن لَيسَ في الناسِ المَسَرَه ** لا أَرى إِلّا وُجوهاً كالِحاتٍ مُكفَهِرَّه
وَخُدوداً باهِتاتٍ قَد كَساها الهَمُّ صُفرَه ** وَشِفاهاً تَحذُرُ الضِحكَ كَأَنَّ الضِحكَ جَمرَه
لَيسَ لِلقَومِ حَديثٌ غَيرُ شَكوى مُستَمِرَّه ** (من اشتراطات المباني الجديدة المستفزه)
ولسان حالهم يقول ما قاله الشاعر المتنبي :
“عِــيــدٌ بِــأَيَّــةِ حَــالٍ عُــدْتَ يَـا عِـيـدُ **بِـمَـا مَـضَـى أَمْ بِـأَمْـرٍ فِـيـكَ تَـجْـدِيـدُ”
عفوا رئيس الوزراء ، ترقب الملايين من المواطنين، قرارعودة البناء وإصدارقانون المباني والقرارات والاشتراطات الجديدة بعد انتهاء قانون التصالح في مخالفات البناء وبعدالتجريب في بعض المحافظات ،وبعد أن توقفت كل أعمال البناء لما يزيد عن عام، وبعد أن تشرد عمال البناء ، وأصبح الجميع يدور حول أنفسهم فى حوارات و مشاكل وأزمات متكررة ومتجددة ، في ظل الحاجة إلى التوسع والامتداد الطبيعى، نظرا لتزايد الناس وحاجتهم إلى مساكن جديدة خاصة في المحافظات التي ليس لها امتدادا صحراويا
وانتظر الناس أن تأتى القرارات و القانون الجديد مرنا وواضحا ومحددا وميسرا لحياة الناس ومحققا لطموحاتهم وبعيدا عن التعقيدات ، وفى نفس الوقت محافظا على الثروة العقارية، و الأرض الزراعية والناحية الجمالية في الوقت ذاته ، خاصة أن قوانين البناء منذ عقود طويلة لم تخلو من الثغرات التى تنشأ سهوا أو عمدا فى العديد من القوانين وفي تطبيقاتها ومحاولات الفاسدين الالتفاف عليها وإفسادها لسنوات طويلة، ولكن بعد طول انتظار تمخض الجبل فولد فأرا ، بعد أن زادت التعقيدات والتكاليف والإجراءات وزادت أيضا مخالفة القانون لقواعد العدالة والمنطق ، لأنه وإن كانت القاعدة القانونية عامة ومجردة ، إلا أنها اجتماعية وبنت بيئتها ، لذلك يكون التشريع معيبا إذا لم يراع الفروق الفردية بين فئات المجتمع وقدراتهم وإمكانياتهم المادية
لأنه في مجال البناء هناك فئات كثيرة من المواطنين يجب مراعاتها ولا يمكن أن تتساوى كل الفئات سواء المقاولون والمستثمرين والتجار مع المواطن ،وليس من العدالة أو المنطق أن نضعهم جميعا في شريحة واحدة، لأن المواطن إمكانياته محدودة وهو يريد فقط أن يبني مسكنا خاصا، وهو في الوقت ذاته يوفر على الدولة أعباء وتكاليف ومسؤولية توفير المسكن الملائم له ولأسرته ، كماأن فلسفة التشريع القويم هى أن يأتى ملبيا لحاجات الناس – كل الناس – محققا العدالة وليس على حساب فئة دون أخرى ومراعيا لواقعهم ،وأن يعتمد على المنهج العلمي المتمثل في دراسة أثرالقرارات والقانون وتحليل وتقييم فعالياته ومدى نجاحه على أرض الواقع ،
اولا يمكن أن نكافئ المخطأ ونعاقب المواطن الملتزم الذي انتظر الحصول على ترخيص بالبناء ، حتى أن عمليات التصالح أعطت للمخالفين امتيازات لم يحصل عليها من انتظر الحصول على ترخيص البناء
وفي بعض الحالات تم بناء حتى خمسة طوابق أو أبراج بالمخالفة لكل القوانين والتشريعات واللوائح والتعقيدات والروتين الذي تفرضه المحليات ،وتم التصالح عليها ، في حين أن الجارالذي لم يخالف وانتظر الحصول على الترخيص لم يسمح له إلا بثلاثة طوابق فقط منها “الجراج “مع تحمله أعباء و تكاليف الترخيص الجديدة وعناء الحصول عليها ، ومن ثم مضاعفة تكليف ثمن الأرض والطوابق المسموح بها
وكيف تمر مثل هذه التناقضات على نُواب الشعب حيث لم يراع القانون المواطن الذي اشترى عددا من الأمتارمن 70 إلى 100متراأو أقل – أو انها متخلالات لا يمكن زيادة مساحتها، وفوق كل ذلك فإنها على قدر استطاعته المادية، والتي تناسب أبنائه واحتياجاته الأسرية ، وهو بذلك لايتكبد نفقات الإيجارات والمقدمات والمؤخرات ، كما أنه لم يخالف البناء وانتظر إعلان الحيزات العمرانية حتى يبني بطريقة قانونية ، وجاءت اشتراطات البناء بتحديد المساحة بـ200 مترا مع بناء جزء منها فقط ، فماذا يفعل هذا المواطن وهذه هي امكانياته وكل ما يملكة مساحة أرض أقل من 200مترا والتي هى أيضا على قدر احتياجاته وتفي بمتطلباته ، فما دخل الحكومة في ذلك ؟
اثم أن القانون الجديد لايمكن أن يطبق بأثر رجعي لأنه لا رجعية في تطبيق القانون إلا إذا حققت مصلحة أو منفعة لم تكن قائمة في القوانين السابقة ، حيث يطبق القانون على الحالات الجديدة فقط
ومن هنا علينا أن ننظم ما هو واقع على الطبيعة ،ولا نفرض اشتراطات جديدة لا تناسب الواقع ، ولا يمكن تطبيقها ،وعلينا أن نُشرع بعد ذلك كما نريد في المساحات والمخططات العمرانية الجديدة
كما أن المبررات التى ساقتها الحكومة لتنفيذ القانون والقرارات الجديدة غير سائغة لأنها مرة تقول إن الهدف هو محاربة الفساد الذي ضرب وتجذر في المحليات وكل ما فعلته اتخذت إجراءات سلبية وهو جعل التراخيص الهندسية من سلطة الجامعات والمكاتب الاستشارية وما يتطلبه ذلك من زيادة النفقات وتعقيد الإجراءات ، ومرة تقول لنقص البنية التحتية ، وهذه المبررات عُذر أكبر من ذنب ، لأن ذلك يوضح بجلاء العجز عن إدارة المحليات وعدم الثقة في الجهاز الإداري للدولة ككل ،
الأن ذلك يعكس بجلاء عدم القدرة على محاسبة الادارات الهدنسية بالمحليات ورقابتها ، لمحاسبة المقصرين والفاسدين ،كما يوضح العجز عن إنشاء البنى التحتية للمباني السكنية في الحيزات العمرانية المعتمدة منذ سنوات طويلة ،
وهذا يثبت فشل قطاع الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة في إنشاء مخططات سكنية كاملة المرافق في المدن الجديدة لمن يرغب أو يقبل في البناء بها وفق ما تحدده الدولة من رسوم هندسية موحدة ومساحات متساوية ومن ثم عليه الالتزام بكل الاشتراطات المنظمة لذلك حتىى لو كانت مجحفة،
لأن الاشتراطات الجديدة تثبت عدم احترام القانون للمراكز القانونية للمواطنين ، ومن ثم عدم ثقة المستثمر الأجنبي في الإداء الحكومي وفي البيئة المواتية للاستثمارات وتخبط التشريعات
كما أنه من الضروري منح فترة انتقالية قبل تطبيق هذه الاشتراطات لتصحيح أوضاع أصحاب المراكز القانونية وفق القوانين والاشتراطات التي كانت سائدة وقت شرائهم للأراضي اوالحصول على تراخص البناء واحترام الاتفاقيات السابقة وأن تستفيد الحالات والأوضاع المستقرة بموجب القوانين التي كانت مطبقة حينئذ ،
وحتى لا يكون القانون مانعا لحرية تصرف المواطن في ملكيته الخاصة في ظل التنظيمات الإدارية المنطمة لهذا القطاع أو يفرض عليه نمط معين من الاسكان ومن النفقات ، ولذلك فإن القانون الجديد وقراراته إذا كان الغرض منها القضاء على العشوائيات فإنه لا يخلو من العشوائيات ،لأننا نسعى دائما على المحافظة على الرقعة الزراعية بالتوسع الرأسي ،وأن لا نتوسع أفقيا للحفاظ على الرقعة الزراعية ، ومن هنا فلابد أن تتفاعل كل هذه العناصر والمبادئ في إنتاج القواعد القانونية ذات الكفاءة والجودة والتي تتصف بالعدالة التي تجعلها راسخة ومستمرة وتعالج المشاكل الميدانية ، ولايمكن أن تستقيم قاعدة قانونية شديدة التسيُب واستبدالها بأخرى شديدة التشدد
ةلأنه من الخطأ تعميم الاشتراطات على المواطن العادي والمطور العقاري او المقاول أو المستثمرأو المباني التجارية ، خاصة فيما يتعلق بمساحة الأرض وارتفاعات البناء وعرض الشوارع والإجراءات الفنية والإدارية الخاصة بالتراخيص ، لأن البناء للاستخدام الشخصى يختلف عن البناء الاستثماري والتجاري ، كما توجد صعوبات جمة في طلب تسجيل العقار بالشهر العقاري كشرط للتقدم لطلب رخصة للبناء لأن هناك أرض تم شراؤها من 50 عاما أوأنها موروثة ومن الصعوبة العثور على مستندات للإشهار
ومن حيث القانون والاشتراطات الجديدة فإن القاعدة القانونية ذات الجودة العالية هي الوحيدة التي تُعنى بالاحترام، وتتميز بالفعالية، وتبلور المغزى من وراء القانون، والمتضمن العدالة، والنظام والأمن والاستقرار، ومن ثم تُوفق بين حق الناس فى البناء القانوني السليم وحق الدولة فى حفظ هيبتها والمحافظة على الأرض الزراعية، والبناء السليم والمخطط في الوقت ذاته
اولذلك افتقد القانون والاشتراطات الجديدة للدرسات التفصيلية حول كل فئة من فئات السكان ليتاح لها البناء بسهولة ويسر وبصورة قانونية، بدون اللجوء للمخالفات، التي تساعد على تفشي وانتشار الفساد والرشاوى .