حرب غزة ..ومخاطر أزمة اقتصادية إقليمية
بقلم:
محمد محمود عثمان
تتفاقم الأوضاع الاقتصادية في الشرق الأوسط مع اتساع دائرة الصراع في المنطقة خاصة مع استمرار الحرب في غزة التي قد تدفع إلى أزمة اقتصادية إقليمية طاحنة
ولم تسلم منها دول المنطقة ولاسيما دول الجوار، ولن يكن الاقتصاد الإسرائيلي بمنأى عن ذلك إلا بفضل الدعم الخارجي الأمريكي والغربي غير المحدود عسكريا وماديا وعلى المستوي الدولي والأممي ، خاصة أن الاقتصاد الإسرائيلي أكثر سوءا منذ طوفان الأقصى ولا يتحمل حربا طويلة ، فالحرب كلفتها حتى الآن
73 مليار دولار ولا يتحمل اقتصادها تكاليف استدعاء جنود الاحتياط ، وزيادة ميزانية الدفاع ،
بخلاف دول المنطقة ذات الاقتصاد الضعيف الذي يتكبد خسائر فادحة لا يمكن تعويضها لسنوات قادمة وسوف يتحمل أعباءها أجيال المستقبل
وتبدو المخاطر من تحريك أمريكا لسفنها الحربية وحاملات الطائرات والمدمرات والطرادات في البحرين المتوسط والأحمر لحماية إسرائيل والدفاع عنها ، بعد أن تلبدت سماء المنطقة بغيوم الحرب ،وكأن إسرائيل تجر المنطقة جرا إلى حرب اقتصادية في المقام الأول ،وتٌنبؤ بأزمة اقتصادية إقليمية ،قد تُوثر أيضا على الاقتصاد العالمي، تحت وطأة التطورات المختلفة، وعلى رأسها العوامل الجيوسياسية، بدءاً من الحرب في أوكرانيا والاضطرابات الواسعة والتوترات في منطقة البحر الأحمر وبحر العرب وانعكاساتها على حركة التجارة الدولية
وقد رصد صندوق النقد الدولي أثر هذه الصراعات ووصفها بأنها تمثل التحديات الاقتصادية الأكبر التي تؤثر على النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يصاحبها التخفيضات في إنتاج النفط وارتفاع أسعاره ، وفشل جهود مكافحة التضخم في معظم اقتصادات دول المنطقة ، مع استمرار ضغوط الأسعار ، التي أثرت على الإنتاج وزيادة خسائر الشركات بسبب ارتفاع التكاليف ، و انعكاس ذلك على حياة السكان في نطاق فلسطين ودول الجوار لبنان وسوريا والأردن ومصر أكبر الدول تأثرا بالأزمة ، ومعها قطاعات السياحة والطيران وإلغاء الرحلات الجوية، التي تعكس تحديات كبيرة في عديد من الدول التي تعتمد على السياحة كمصدر أساسي للدخل والعملة الصعبة ، والتي سوف تتفاقم آثارها السلبية ،مع تطورات الأحداث، ومدى اتساع رقعة الصراع ومدته الزمنية ، بعد أن تخرج الأحداث وردود الأفعال عن نطاق السيطرة ، خاصة أن منطقة الشرق الأوسط شديدة التعقيد، بما فيها من علاقات وتحالفات ومصالح متضاربة وأطماع سياسية واقتصادية تحكمها الرغبات الدفينة في نهب ثرواتها ومواردها وإضعاف اقتصادها والتحكم في شعوبها، في ظل غياب القدرة الذاتية على الدفاع عن النفس والمحافظة على كياناتها بدون الحماية أو الدعم الأجنبي ، حتى أصبحت مرتعا للإرهاب والاغتيالات السياسية التي تهدد الاقتصاد وتعمق جذور الأزمات الاقتصادية في الإقليم ، والتي تبدو ارهاصاتها في وهن اقتصاد دول متعددة مثل الصومال والسودان وليبيا ولبنان وسوريا واليمن والعراق ومصر على الرغم من محاولات الإصلاح المتكررة والجهود الدبلوماسية المصرية – القطرية التي تحاول نزع فتيل الأزمة الاقتصادية من خلال تخفيف حدة الصراعات والتوترات القائمة التي تدق طبول الحرب صباح مساء وتجعل من المواجهات العسكرية أمرا محتملا،
نظرا لهشاشة الاستقرار والصراعات المستمرة في المنطقة التي تخلق بيئة غير مواتية للاستثمارات تساعد على هروب رؤوس الأموال إلى المناطق الآمنة، بعيدًا عن مناطق النزاع ومحيطها. علاوةً على انخفاض قيم العملات الإقليمية، وندرة الفرص الاستثمارية التي تعزز النمو والتنمية ، وهذه المؤشرات تطلق إنذارًا حول المخاطر الاقتصادية التي تواجهها الشرق الأوسط بسبب تنامي الصراع واتساع رقعته خارج قطاع غزة، والذي يكبد اقتصاد المنطقة ثمنًا باهظا،
خاصة أن المنطقة تحولت إلى سوق لتجارة السلاح التي تستنزف موارد وميزانيات شعوب المنطقة لإصلاح الخلل في ميزانيات الدول الكبرى المصدرة للسلاح والتي تحرص دائما على تأجيج بؤر الصراع في الشرق الأوسط ، ولا تسعى جديا للتهدئة او إيجاد الحلول الجذرية لمشاكلها التاريخية ، لتحول بينها وبين العمل والإنتاج والتقدم لتظل تدور في فلكها العسكري والاقتصادي بعد أن توجه مواردها إلى اقتصاد الحرب ، وتعرُض بعض الدول للإفلاس بسبب تراكم الديون وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها قبل المُقرضين من الدول أو المؤسسات المالية الدولية ،لأن حشد الولايات المتحدة قواتها في منطقة الشرق الأوسط ،مؤشر واضح على الأزمة الاقتصادية الإقليمية القادمة التي تغذيها حرب غزة برعاية أمريكا التي تجر المنطقة إلى أتون حرب طاحنة ، وتضعها على صفيح ساخن ومواجهات مستمرة ،وسوف تؤثر على موازين القوى في المنطقة بشكل أو بآخر، ، وإن كانت حرب إسرائيل على غزة واستمرارها لأكثر من ذلك تزيد من الضغوط على الاقتصاد العالمي وعدم استقرار الأسواق المحلية والعالمية.
===========
mohmeedosman@yahoo.com
.
.
.