النظام المصرفي الأوروبي ..والقروض
د. رشاد عبده
على الرغم من تطور وتقدم النظام المصرفي الأوروبي خلال السنوات
القليلة الماضية، إلا أنه ما زال يعاني من المشكلات والأزمات وتعثر العديد من
البنوك الأوروبية وشح التمويل، إلا أن الأمر الأكثر خطورة وجدلاً على المستوى
العملي يتمثل في مشكلة القروض الرديئة وعدم كفاية القواعد الفعالة القادرة على
مواجهة هذه المشكلة في الوقت الراهن، مع الإدراك بأن أي قواعد جديدة لن تطبق إلا
على القروض الجديدة فقط ولن تطبق على القروض الموجودة بالفعل بدفاتر وسجلات
وميزانيات هذه البنوك.
وهو الأمر الذي دفع البنك المركزي الأوروبي لحث هذه البنوك الأوروبية
على ضرورة التعرف وبسرعة على الحجم الحقيقي لهذه القروض الرديئة بمصارفهم، وأن
يرصدوا المخصصات الكافية لمقابلتها، حيث تشير الأرقام المبدئية إلى بلوغها أكثر من
ألف مليار يورو، كي يتمكن النظام المصرفي الأوروبي من التعافي بشكل أسرع وتزيد قدرته
المالية والنقدية على معالجة الأمر ومواجهة أي انكماش مستقبلي في حالة حدوثه.
ولقد حاول البنك المركزي الأوروبي اقتراح تطبيق التجربة الأمريكية في
علاج مشكلة القروض الرديئة والتي اعتمدت على ضرورة الاعتراف والإقرار بالحجم
الحقيقي لخسائر البنوك من هذه القروض وتكوين مخصصات بنسبة 100% من قيمة كافة
القروض التي يتوقع لها أن تكون رديئة في المستقبل، ومن ثم يتم التعامل مع أي خسائر
حقيقية بشكل سريع وآمن.
إلا أن هذا الاقتراح قد واجه الكثير من الجدل، حيث تم رفضه من قبل كل
من الساسة وقيادات البنوك الأوروبية بحجة رفع تكلفة منح الائتمان.. فيما يرى مؤيدو
هذا الاقتراح أن القروض الرديئة كانت أحد أهم أسباب انهيار العديد من البنوك
الأوروبية في أعقاب الأزمة المالية العالمية الراهنة، وأنه قد آن الأوان كي تستعد
البنوك لمواجهة أي مخاطر أو مفاجآت غير متوقعة في الفترة المقبلة.
فيما يحذر العديد من الخبراء من خطورة وضع القروض الرديئة بالبنوك
الأوروبية، ويوصون بضرورة العمل على إيجاد حلول عملية لمشكلة هذه القروض، لما يمكن
أن تشكله من تهديد للاستقرار المالي والنمو المستقبلي بالنظر لامتصاصها رؤوس أموال
البنوك التي يجب أن توجه نحو مزيد من الاستثمارات الجديدة، بما دفع عدداً من
البنوك الأوروبية بالفعل إلى بدء التخلص من هذه القروض بشكل تدريجي على مدار عدد
محدود من السنوات القادمة.
وإن كان هناك عدد آخر من البنوك الأوروبية الصغيره ما زال متردداً في
مواجهة هذه المشكلة والتصدي بفاعلية لتلك الخسائر، لما سوف تظهره من ثغرات
بميزانياتها العمومية، وما يمكن أن يترتب على ذلك من عدم رغبة مستثمريها في زيادة
رؤوس أموالها لمواجهة أخطار هذه الديون، وسيكون من الصعب عليها كذلك إيجاد مشترين
لهذه القروض، وحينئذ لن يكون أمامها سوى الاندماج أو السماح لبعض البنوك ذات المراكز
المالية القوية بالاستحواذ عليها للخروج من هذا المأزق. لذا يرى الكثير من
المحللين والخبراء أنه قد آن الأوان للساسة وقيادات البنوك أن يتعلموا دروس الأزمة
المالية العالمية الراهنة والتي كانت مشكلة القروض الرديئة من أهم أسبابها، وأن
يقبلوا بخطة الهيكلة التي اقترحها عليهم البنك المركزي الأوروبي إذا أرادوا التقدم
نحو الأمام.