المبالغات في الإجراءات .. وتدمير الاقتصادات
محمد محمودعثمان
الاقتصادات العالمية محاصرة بالاجراءات والاحترازات الوقائية من كورونا أكثر من محاصرتها بالوباء ذاته ، لآنه لا أحد يريد أن يعترف بالخطأ في مواجة هذا الفيروس منذ البداية ، بعد أن انحصرت أفكار ورؤية المسؤولين في اتجاه واحد فقط وهو مواجهة هذا الوباء بالإجراءت الصحية أحادية الجانب وإغفال الجانب الآخر أو وجه العملة الثاني وهو الاقتصاد والمحافظة على معدلات التنمية الضرورية التي تؤمن حياة الموطن
لأن الإصرار على تشديد الإجراءات الاحترازية وإغلاق الحدود والمطارات والإصرار عليها – بدون مبررات قوية – يعوق عودة الحياة لطبيعتها ويعوق التعافي المنشود ـ بل ويُثبت عجز المسؤولين في إدارة الأزمة وعدم الفهم الجيد لطبيعتها وتحوراتها
لأن المنطق والدراسات العلمية وتوجهات منظمة الصحة العالمية تؤكد أن الحصول على جرعتين من اللقاحات المعتمدة ضد كورونا وانقضاء 14 يوما على الجرعة الأخيرة يعد شهادة صريحة بعدم وجود الفيروس أو ضعفه في حالة الإصابة به ، وقد سبقتنا الدول الأوروبية في فهم هذه المتغيرات ، ولسنا أكثر حصافة أو فهما أو علما منهم ، لأنهم بدؤا في تخطي كل هذه المعوقات من منطلق الحرص على المصالح الاقتصادية والوطنية لبلادهم
ومن هنا فإن ما يحدث في بعض الدول من تزيُد بإجراء مسحات “بلمرة “pcr في المطار الذي يغادر منه المسافر ثم إجراء مسحة أخرى بعد ساعتين أو ثلاثة في مطار الوصول ، ثم مسحة ثالثة بعد اسبوع وما يصاحب ذلك من إجراءت الحجر المنزلي أو المؤسسي وارتداء الأسورة الألكترونية ، يعد مضيعة للوقت وزيادة في الجهد وارتفاع في النفقات وضغط على المنظومة الصحية التي أنهكت بأكثر من طاقتها منذ بداية الأزمة وحتى الآن ، ويعد ذلك مبالغة واضحة مقارنة بالبرتوكولات الصحية المعمول بها في دول العالم والتي أقرتها منطمة الصحة العالمية، وقد ذكر صندوق النقد الدولي، أن إجراءات الإغلاق المفروضة بالعديد من الدول للحد من انتشار فيروس كورونا أضرت بالاقتصاد العالمي أكثر من المتوقع، محذراً من أن الدين العام العالمي يمكن أن يصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق ويزيد على 100 % من الناتج الإجمالي العالمي ،ولا يمكن يقينا أن نعلم هل بوسع الحكومات أن تخفض مستويات ديونها بعد خروج الاقتصادات من الجائحة أم لا ؟ ولا سيما أن دولا كثيرة سوف تتخلف عن سداد الديون بسبب جائحة كورونا، وتراجع أسعار النفطـ ، والشلل الذي أصاب الاقتصاد خلال أزمة الوباء
وقد أثبتت التجارب إخفاق الإجراءات والاحترازات- بكل أنواعها وصورها التي اُتخذت في كثيرمن الدول في الحد من انتشار الكورونا – وإن كانت لها بعض التأثيرات الإيجابية المحدودة التي لا يمكن أن تعوض التأثيرات السلبية الضخمة التي أصابت اقتصادات العالم وخاصة الاقتصادات الناشئة أو النامية –التي ستواجه ضغوط التمويل الخارجية المرتبطة بتقلبات أسعار السلع الأساسية وتقلبات أسعار صرف العملات، والتغيرات على توجهات المستثمرين ومدى قبولهم للمخاطر، خاصة المرتبطين بأعمال وشراكات مع القطاع الخاص التي تفاقمت مشاكله وخسائره، وكذلك تأثرمعظم الاقتصاديات مع ارتفاع حجم الديون وبلوغها مستويات قياسية، ومع استمرار تداعيات جائحة كورونا التي كبدت الاقتصاد العالمي خسائر حادة وعنيفة حتى الآن ، ومن ثم تنخرط تحت تصنيفات الاقتصاديات مرتفعة المخاطر،
فهل يمكن أن تتحمل الحكومات تكاليف الركود الشديد المتصل بالأزمات الاجتماعية والمشاكل الاقتصادية التي تولدت من سياسات الإغلاقات المتكررة ؟ لذلك نري كل العالم المتقدم قد اتجه إلى تخفيف القيود والإجراءات الاحترازية وعودة الحياة لطبيعتها والتعايش مع الواقع تحسبا للمخاطر المحدقة بالاقتصاد، والتي بدأت مظاهرها من قراءة معدلات التضخم العالمية التي ارتفعت مؤشراتها متأثرة بزيادة الإغلاقات والقيود ،التي أدت إلى ارتفاع في أسعارالسلع الغذائية ، وأصبحت الدول تعاني من رعب فوبيا التضخم الذي أصاب العالم ، وقد جاء في تقريرمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس ” أن معدلات التضخم ارتفعت في الدول الأعضاء بالمنظمة بمعدل 3.3 %، مقارنة بــ 2.4 %، التي كانت عليه في نهاية الربع الأول من العام الجاري ، وذكرت المنظمة في تقريرها أن ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً عزز ارتفاع معدلات التضخم، والتي اعتبرتها الأسرع منذ الأزمة الاقتصادية في عام 2008،
لذلك فإن المخاوف قائمة الآن من أن يجتاح التضخم الاقتصادات العالمية ، التي سوف تتأثر من استمرار ارتفاع أسعار النفط أو ربما انخفاضه ، الأمر الذي يؤثر في أسعار السلع الأولية، التي سيكون لها هي الأخرى دور في عملية تسريع أو تحجيم هذا التضخم الذي يمثل القنبلة التي تنفجر في وجه الاقتصاد العالمي،
إلا أن حزم التحفيز الاقتصادي التي تقدم للقطاعات المختلفة بشكل جيد يمكن أن تخفف كثيرا من آثر التضخم،إذا سارعت الدول بعودة الحياة لطبيعتها وأعادت الانتعاش لحركة السفر والسياحة بين دول العالم ،وساعدت بقوة شركات القطاع الخاص وأخذت بيدها ، حيث سينعكس ذلك إيجاباً على مجمل الاقتصاد العالمي
========
*mohmeedosman@yahoo.com