الكورونا.. وضياع الحماية القانونية للعمال
محمد محمود عثمان
انتهك وباء الكورونا كل الحدود و الأعراف الدولية و الحقوق العمالية والانسانية ما أدى إلى اضطرابات في أسواق العمل ومستقبل العمال وأسرهم في معظم دول العالم في ظل الثغرات التي تحتويها قوانين العمل ،والعجزالظاهرعن مواجة الأزمة التي أودت بحقوق العمال ،وتقاعس كل المنظمات العمالية عن مساندة العمال وعدم وجود آليات جيدة للحفاظ عليها من الضياع في ظل استمرار الوباء وتداعياته الاقتصادية السلبية ،وتأثر منشآت القطاع الخاص بشكل كبير وعدم قدرتها على الاستمرار إلى جانب المنشآت التي دُمرت نهائيا إلى درجة الإغلاق والافلاس ، بداية من فئات العمال الذين يعملون بعقود عمل مؤقته أو بدون عقود عمل ، والأخرى التي تحصل على رواتب أقل من الحد الأدنى للأجور تحت سمع وبصر النقابات العمالية ، التي لم تحرك ساكنا أو ليس لدها القدرة على المواجهة ، بل قد تتعاطف مع الشركات وأصحاب الأعمال متأثرة بخسائر كورونا ، على حساب مصالح العمال ،مع عدم وصول هذه المخالفات للجان حقوق الإنسان المعنية لتؤدي دورها المنوط بها ، خاصة أن التشريعات العمالية لا تتوافق مع قوانين منظمة العمل الدولية أوعهود ومواثيق حقوق الإنسان، حتى أن بعض الدول أصدرت تشريعات و قوانين تسمح لشركات القطاع الخاص بمخالفة قوانين العمل ، و تخفيض الرواتب بنسب تصل إلى 60% أو بفرض إجازات إجبارية على العاملين ، وكذلك السماح بتسريح الأيد العاملة بدون ضوابط أو حماية أوتقديم للخدمات الاجتماعية للعاملين في القطاع الخاص بشكل عام،وتؤمن لهم العيش من خلال حماية قانونية توفر لهم الرعاية العمالية الحقيقية ، التي تقدم المزيد من الامتيازات ، خاصة بعد الفصل من العمل أوالاستغناء عنهم بشكل جماعي ، أوفقد وسائل المعيشة لأسباب خارجة عن إرادتهم ، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية تضر بالمجتمع وبالأمن الاجتماعي ، نظرا لاحتمالات زيادة الجرائم والسرقات والانخراط في تجارة المخدرات أو في ارتكاب الجرائم المخلة بالآداب، إذا لم تتوافر للعامل وأسرته الحد الأدنى من الدخل والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية الضرورية و المسكن والغذاء والكساء والعلاج في حالة المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو السجن ، وأيضا في الحالات الأخرى التي يفقد فيها العامل وظيفته وذلك تحت مظلة وثيقة حقوق الإنسان العالمية ،خاصة أن كل المؤشرات الاقتصادية تؤكد على أن فترة الركود القائمة مجهولة الهوية زمانا ومكانا ولا يمكن التعرف على نهايتها ،أو حتى التعرف على بداية التعافي ولو جزئيا ، وان تأثيراتها طويلة المدى ، وأن سمتها البارزة تكمن في تقلص فرص العمل الجديدة بمنحنى صعودي كبير، يصاحبه فقدان لعدد كبر من الوظائف الحالية ، وهذا يشير إلى التأثيرات السلبية عل الوافدين الجدد لسوق العمل وارتفاع أعداد العاطلين والباحثين عن العمل خلال فترة الجائحة وما بعدها ،وهذا يلقي ظلالا كئيبة على أمل عودة العمال المسرحين للعمل ، مما يتطلب ميزانيات أكبروخطط عاجلة لزيادة الإنفاق لتجاوزمحنة العمال – التي ستمتد لسنوات أخرى في المستقبل -ومساعدتهم على الصمود في مواجهة تكاليف الحياة لهم ولأسرهم ، مع قصور خدمات الرعاية العمالية التي يجب أن تتتطور لتشمل متطلبات واحتياجات العمال في اوقات الأزمات والركود الاقتصادي ،
ولعلنا نخرج من جائحة كورونا الحالية التي ضاعت فيها كل حقوق العمال بالتفكيرفي وضع المعايير والآليات التي تضمن للعامل المفصول من العمل – أو المستغنى عنه تحت أي ظرف – سبل العيش الكريم له ولأسرته ، وتطبيق مبادئ الحوكمة الخاصة بعلاقات العمل والحقوق المتصلة بها،من خلال منظومة توفر التأمين ضد البطالة أوفقدان الوظائف،وكذلك مساعدته في الحصول على فرصة عمل أخرى، وفق رؤية اجتماعية واقتصادية تحقق السلام الاجتماعي بين الجميع ، بما يضمن للعمال وأسرهم الحد الأدنى للمعيشة ، لأن في ذلك ضمان لتحقيق مصالح العمال والقطاع الخاص بل والسلام المجتمعي ، الذي يسهم بفاعلية في تحقيق التنمية المستدامة، والإسراع في الوصول إلى مرحلة التعافي واستقرار أسواق العمل التي تعرضت لهجمة شرسة على يد فيروس كورونا ، ولعلنا نهتم من الآن بتطبيق التأمين الإجباري على كل العاملين من المواطنين والوافدين الذين يعملون بطرق قانونية مشروعة ، لضمان حصولهم على 80% من الأجر على الأقل لمدة تتراوح من ستة أشهرإلى سنة طبقا لطبعية الأزمة ومدى حدتها ، وكذلك إيجاد آلية لتقديم مساعادات مقننة للأيد العاملة غير المنتظمة تكفيهم لمواجهة متطلبات الحياة وصيانة كرامتهم ، كما أن أبسط قواعد الحمايةالقانونية لحقوق العمال أن تضمن الشركات التي تستغنى عنهم تعويض العمال عن خسارتهم لعملهم وأجرهم
————————
*mohmeedosman@yahoo.com