
القطاع الخاص .. بين الشراكة والاشتباك مع الحكومة
بقلم :
محمد محمود عثمان
القطاع الخاص قاطرة التنمية والتقدم الاقتصادي ولن نجد دولة متقدمة بدون قطاع خاص قوي ومتجدد ومبتكر يحافظ على استقلاليته في التشريع و التخطيط والتنفيذ لمشروعاته المرتبطة بالخطط التنموية العامة للدولة في ظل الشراكة الحقيقية العادلة بين الجانبين التي تحول بين توغل ومنافسة الشركات الحكومية في مشروعات القطاع الخاص أو احتكار بعض الأنشطة الأساسية ذات الربحية العالية والفاعلة والمؤثرة في المجتمع وحرمان القطاع الخاص منها ، والتي تدفع الحكومات إلى فرض سلطتها وقوانينها قسرا على القطاع الخاص ، بدون تشاور أو تنسيق مع ممثليه ،مما يؤثر سلبا على الأداء ، لأن القطاع الخاص يجب أن تكون له استقلاليته في صنع القرارات التي تحكم عمله وأنشطته المختلفة ، لأنه الأقدر على تنظيمها من منطلق ” أن أهل مكة أدرى بشعابها “
ولا سيما أن القطاع الخاص في المنطقة العربية يساهم بنسبة كبيرة تفوق 75 % من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية والبالغ قيمته نحو 4 تريليونات دولار، وهذا لا يعني انفصاله عن السياسات العامة للدولة أو أن يكون بديلا عن الالتزام السياسي بالإصلاحات المرتبطة بإعداد البنية التحتية وفق نهج شامل لدعم بيئة متوافقة و داعمة للشراكات بين القطاعين العام والخاص وفق أسس قائمة على الشفافية و الحوكمة و تقاسم المخاطر، حتى لا تتولد حالة من الاشتباك أو التداخل غير الُمقنن مع الحكومات قد تُفضي إلى الفشل او تقاطع المصالح، عند المشاركة في المشروعات الأساسية العملاقة بمشاركة رأس المال الخاص واستثمار موارده وخبراته وكوادره في تعزيز الشراكة بين القطاعين ،التي قد تصطدم بالروتين والبيروقراطية العقيمة أو تعدد جهات التعامل،
واستخدام موارد الدولة في الاستحواذ على الشركات المنافسة للقطاع الخاص ،ما يبعدنا عن مفهوم الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص التي هدفها الأساسي هو بناء الاقتصاد المستدام الذي يعتمد على التكامل وليس التنافس أو الاحتكار، وعلى مد جسور قوية من الثقة المتبادلة وخاصة عندما تحاصرنا الأزمات الاقتصادية والسياسية، وهذا يتطلب في المقام الأول أن يتمسك القطاع الخاص بدور أساسي في وضع وتقنين واستقرار و ثبات القوانين والتشريعات ،التي تنظم استراتيجية عمل القطاع الخاص وتجعله قادرا على خلق فرص الوظائف الجديدة واستيعاب الداخلين الجُدد إلى سوق العمل، من خلال مشروعاته وبرامجه في القطاعات المختلفة ،التي تساعده على فتح آفاق التواصل بين رجال الأعمال والمستثمرين العرب والأجانب، ويزيد حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدان العربية والأجنبية ، خاصة بعد تخلى الحكومات عن التوظيف بعد أن أُتخمت مكاتبها بالأيد العاملة التي تمثل بطالة مقنعة وغير منتجة واعتبارها عبئا ماليا يجب التخلص منه ، حيث تواجه الإدارات الحكومية إشكاليات عدة حتى عند مجرد التفكير في تسريح العمالة الزائدة منها القانوني أو الاجتماعي والإنساني، في ظل معدلات البطالة التي بلغت في المنطقة العربية 9.8 % في 2024، بسبب التحديات الجيوسياسية القائم منذ عقود، والتي خلفت تبعات واسعة النطاق على التنمية الاقتصادية وأسوق العمل ،
وجعلت القطاع الخاص هشا وقابعتا تحت عباءة الحكومات التي تُشرع وتُخطط له وتهيمن عليه، على الرغم من أنه اللاعب الرئيسي في عمليات التنمية ، لذلك إذا لم يستطع القطاع الخاص طرح وتقديم المبادرات المتجددة التي تلبي احتياجاته التنظيمية المشروعة ،وظل عاجزا عن التفاعل الإيجابي مع المستجدات والمتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية بسرعة ومرونة ،تساعده على وضع رؤيته المستقبلية لعشر سنوات قادمة على الأقل، لتضمن التوازن بين الشريكين الخاص والعام ، لإعطاء الثقة للمستثمرين و رؤوس الأموال المهاجرة للعودة والمشارك بقوة في التنمية ،
قبل إصابة الاقتصاد بالعُقم والعجز الذي ينعكس مباشرة على مستوى حياة الأفراد والأُسر والمجتمع ،لذلك هناك أهمية للعمل على اندماج القطاع الخاص العربي بدرجة أكبر في النظام التجاري متعدد الأطراف لتحقيق احتياجات وطموحات أصحاب الأعمال على المستوى الخارجي، وللاستفادة من نقل الخبرات والتجارب الناجحة للمنظمات الدولية والدول المتقدمة إلى القطاع الخاص العربي، بعد أن عجزت الحكومات عن تخطي هذه المعوقات والإشكاليات التي تحول دون التكامل والتنسيق في مختلف القطاعات، من أجل دعم مسيرة التطوير المستمر، بعيدا عن الاشتباك مع الحكومات التي – تمتلك ترسانة من قوانين الدولة العميقة – التي تٌعيق أنشطة القطاع الخاص الذي يجب أن يتميز بالمرونة والسرعة في اتخاذ القرارات.
—————————-
*mohmeedosman@yahoo .com
.