
الفجوة المهاراتية .. في الأسواق العربية
بقلم :
محمد محمود عثمان
أسواق العمل العربية تعاني من فجوة مهاراتية شديدة تؤثر على القطاع الخاص الذي يواجه العديد من التحديات المحلية والعالمية التي نتجت عن الأزمات الاقتصادية والمنافسة التجارية العالمية، الذي يئنُ من ضغوط الباحثين عن عمل والمسرحين من الخدمة ،والداخلين الجدد لسوق العمل في ظل استمرار ضغوط الحكومات على شركات القطاع الخاص بفرض عمليات التوظيف من الأيد العاملة المحلية اعتمادا على فلسفة الكم على حساب الكيف ، التي تنعكس على الإنتاج والإنتاجية بشكل مباشر في الوقت الذي أصبحت فيه الحكومات عاجزة بشكل شبه تام عن التوظيف في المؤسسات الحكومية والقطاع العام ، وفي المقابل نجد عزوف الشركات عن الاستعانة بالأيد العاملة الوطنية وإن كانت ذات خبرات ومهارات محدود أو بسيطة بزعم أنها ستحمله تكاليف فوق طاقته وقدراته المالية ، بدون أن يدرك النتائج السلبية لذلك على المدى الطويل ، من زيادة تكدس أعداد الباحثين عن العمل وتراكم أعدادهم سنويا ، لتتفاقم المشكلة وتزداد تعقيدا لأنهم بدون خبرات أو مهارات تمكنهم من تغطية الاحتياجات العصرية للسوق ،
وسوف تتفاقم ازمة الفجوة المهاراتية إذا لم تنتبه الحكومات لهذه الإشكالية مبكرا وتعمل على معالجتها بأسلوب علمي منظم ، من خلال المناهج الدراسية ومراكز التدريب المتقدمة وتغيير ثقافة العمل بين الشباب وأسرهم وبين كل فئات المجتمع ، من خلال وسائل الإعلام والفنون والدراما وجمعيات المجتمع المدني ووسائل التواصل الاجتماعي الهادفة ، لأنه إذا لم يبذل القطاع الخاص جهدا في عمليات تدريب الشباب حديث التخرج ، لإعدادهم لسوق لعمل وفق المستجدات التكنولوجية والتقنية الحديثة ، من خلال التدريب على رأس العمل ، وإنشاء مدارس التلمذة الصناعية ، التي تمد شركات القطاع الخاص باحتياجاتها من الأيد العاملة المدربة عمليا على الإنتاج ، والاستفادة منها في خلق قاعدة عربية من العمالة الماهرة التي يشجع توافرها وبأسعار رخيصة على جذب المستثمر الأجنبي ،وسد الفجوة القائمة ،لأنها إشكالية كبرى لم تلتفت إليها إدارة القطاع الخاص كثيرا لأنها ببساطة تُفاقم من تراكم حجم العمال غير المدربين والذين يفتقدون إلى الخبرة والمهارة ، ومن ثم تزداد كثافة العمالة غير المنتجة في الشركات مع زيادة تكلفتهم الاقتصادية وزيادة خسائر الشركات ،وما ينتج عن ذلك من عدم قدرة القطاع الخاص على الصمود وعلى الاستمرار بقوة وثبات ، وزيادة كفاءة الاقتصاد، والنهوض بالقدرة التنافسية للشركات محليا وإقليميا ،لذلك نشهد يوميا المزيد من الشركات المتعثرة أو التي تعلن الإفلاس، وتفضل الخروج من السوق بأقل الخسائر، مخلفة عمالة مُسرحة ، تُضاف إلى الأيد العاملة العاطلة وإلى جحافل الخريجين الداخلين الجدد في سوق العمل سنويا ، ومن ثم تتراكم البطالة عاما بعد آخر، مما يدعونا للتساؤل والقلق عن مستقبل مخرجات التعليم في السنوات القادمة، وهل هي قادرة على تغطية احتياجات و متطلبات المستثمرين وقطاع الأعمال ، وهل الدول قادرة على توفير الوظائف وفرص العمل المناسبة لهؤلاء في المدى الطويل؟ أم إنهم سوف يمثلون أعباء إضافية على الحكومات وأسواق العمل؟ وهذه هي المعادلة الصعبة ومتعددة الأطراف، لأن لها تأثيرات على التنمية الاقتصادية و في خلق وتوليد الوظائف الجديدة القادرة على أن تحدث تغيرا كبيرا في ديناميكية الأسواق وأنشطة شركات القطاع الخاص ، وحقها في الحصول على الأيد العاملة المنتجة التي تتمتع بالمهارات الفنية ، خاصة أنه قد لا يتمكن البعض من سرعة إصلاح مناهج التعليم وفنيات التدريب و تنمية رأس المال البشرى بشكل عام ، مع النقص في الموارد والمخصصات المالية المخصصة لإعادة التأهيل أو إعادة التدريب الجيد ، الذي يمكنهم من الحصول على فرصة عمل حقيقية ومناسبة لخبراتهم وطموحاتهم من خلال المنافسة الشريفة مع الأيد العاملة الأجنبية، خاصة مع عجز الحكومات عن إيجاد فرص العمل الجديدة ،مما يلقي بالجزء الأكبر من المسؤولية وتبعاتها على القطاع الخاص.
مع وجود حق لشركات القطاع الخاص في الحصول على الأيد العاملة المنتجة والمدربة والماهرة ، والمساعدة في تخفيف الأعباء وكذلك حق الباحثين عن عمل في الإعداد والتدريب الجيد الذي يمكنهم من الحصول على العمل
ألا أنه يقع على الشباب أيضا مسؤولية الإقدام على التدريب وكسب المهارات والتي تلبي احتياجاته وتتواكب في الوقت ذاته مع التقدم والتطور التكنولوجي المتلاحق ، والذي يتدفق علينا من الدول المتقدمة بدون حول لنا ولا قوة ، والمسؤول عن ذلك عدة أطراف ولا أكون متجنيا إذا قلت بأن العامل هو أول المسؤولين عن ذلك -لأنه لم يجد أو يجتهد في تطوير مهاراته ومعارفه ، حتى يتكمن من المنافسة مع الآخرين في أسواق العمل المفتوحة وفق آليات السوق .
=======================