رئيس التحرير

الشركات المتعثرة .. بين تسريح العمال و الركود

بقلم :

محمد محمود عثمان

ارتفعت في السنوات الفائتة أعداد الشركات العالمية المتعثرة على مستوى العالم بنحو 25%. عما كانت عليه منذ عشر سنوات وصاحبتها موجة  تسريح العمال  وهى من مؤشرات الركود الاقتصادي ، لأن هذا التعثر لا يأتي من فراغ لأنه دليل مُقلق على تعثر الشركات العملاقة وأيضا  الدول خاصة الناشئة التي تعثرت أيضا في سداد ديونها ، ولم تسلم الدول العربية من ذلك، وسيما التي فشلت في ضخ الاستثمارات الضخمة  في البنية التحتية، وفي استثمار الرأس المال البشري، لبناء القدرة على التكيف مع المتطلبات المحلية و المتغيرات العالمية ،وأصبحت تعاني من ضعف النمو الاقتصادي وتواجه الإفلاس والتعثر، إذا لم تحصل على مساعدات خارجية، إلى جانب الدعم الدولي من المؤسسات المالية الدولية بكل ما عليها من تحفظات ، وسُمعة سيئة  تجاه الدول الفقيرة المُقترضة ، والتي تشكوا من نقص السيولة والتمويل نتيجة للتدخل في سياستها المالية التي تؤثر على حياة المواطنين ومستوى معيشتهم ، وما يتبعها من تذمر أو احتقان شعبي، حيث تشير التوقعات باستمرار عمليات التعثر وتسريح الموظفين ، مع زيادة استحقاقات الديون والعجز عن السداد الذي تفاقم منذ جائحة كورونا ومشاكل  سلاسل الإمداد مع بداية حرب روسيا وأوكرانيا، والذي صاحبه  أسعار الفائدة المرتفعة على الاقتراض، والتي بلغت مُعدلات قياسية في ظل  تراجع احتياطيات العملات الأجنبية وانهيار العملات المحلية  ، وهى مخاطر تحذر من حدوث أزمة ديون على الدول الناشئة ضعيفة الدخل ، بعد ارتفاع تكاليف خدمة الدين التي تفوق الإنفاق على الأنشطة الاقتصادية الأساسية ، التي نتج عنها انتشار حمى تسريح العمال حتى من الشركات الكبرى ، كمُؤشر إلى الركود القائم  والقادم ، وسط مؤشرات باستمرار هذا المنحى خلال المرحلة المقبلة ، لأسباب منها سوء الإدارة وضعف التخطيط و زيادة  الخسائر وتراجع الأرباح وآثار التباطؤ الاقتصادي أو التوجه نحو التوسع في استخدام  تقنيات الذكاء الاصطناعي و إعادة هيكلة الوظائف ، أو كل هذه الأسباب مجتمعة، وهذا يتطلب سرعة وضع الحلول لإنقاذ الشركات المتعثرة ، ومراجعة الإنفاق ، وزيادة جرعات التدريب واستبعاد المنتجات الخاسرة ومعالجة الفساد الإداري والمالي ، وإعادة التوازن لأنشطتها لحماية كيانها الاقتصادي وقدرتها التنافسية وللمحافظة على حقوق العمال، وإن كانت الدول المتقدمة أيضا لم تنج من موجة هذه المخاطر ،فقد تصدرت أميركا قائمة الشركات المتعثرة عن سداد ديونها  في 2024،التي بلغت نحو 7.1 مليار دولار، وبنسبة 85% من إجمالي قيمة الفشل في سداد الديون على مستوى  العالم ،كما تعاني الاقتصاديات الأوروبية القوية من زيادة الشركات المتعثرة حتى ألمانيا أعلنت  مؤخرا عن إفلاس 1400 شركة ،و تُشير التقارير أنه من المتوقع أن تصل الشركات الألمانية المتعثرة هذا العام إلى 20 ألف شركة ،فيما أعلنت 3300 شركة نمساوية الإفلاس للمرة الأولى منذ 15عاما،وفي بريطانيا تواجه 47 ألف شركة مخاطر الإفلاس وفي كندا تم تسجيل  إفلاس 400 شركة يوميا بداية من النصف الثاني من العام الجاري ،

كما توجد 10 آلاف شركة يابانية مهددة بالإفلاس، وتشمل لائحة الدول التي  في دائرة الخطر إثيوبيا وباكستان وغانا وكينيا وبلاروسيا ونيجيريا، و مصر التي بلغت ديونها  الخارجية نحو 160 مليار دولار تستحق على مدى السنوات الخمس المقبلة،  وكذلك تواجه  تونس خطر التعثر بعد عجز الميزانية الذي بلغ نحو  10%  ، بخلاف المخاطر التي تمر بها فلسطين و لبنان وسوريا  والسودان وليبيا واليمن ، في ظل الأوضاع الجيوسياسية والصراعات الإقليمية المتصاعدة في المنطقة والنزيف الاقتصادي المستمر، وزيادة نفقات الحرب والتسليح التي تؤثر على الموارد المالية وحجم الاحتياطي النقدي لدول المنطقة ، وانعكاس ذلك أيضا على تكاليف الإنتاج و الشحن والتأمين ،وكلها تقود الاقتصاد إلى البطء والركود ، لأن شركات القطاع الخاص المتعثرة التي فشلت في المحافظة على وضعها المالي أو الوفاء بالتزاماتها لدى الآخرين محليا وخارجيا، زادت بشكل ملحوظ ، فيما لم تبذل  الحكومات  جهدا للتصدي لهذه الظاهرة قبل تفاقمها؛ لأن بعض الشركات يمكن تقويمها، فقد تحتاج إلى التخلص من الإدارات غير المؤهلة  التي تفتقر إلى الكفاءة الإدارية والفنية، ثم الترشيد وتحديد الأولويات ، وتكثيف التدريب وتحسين الإنتاج و الإنتاجية ، والتركيز على المنتج القادر على المنافسة ، مع استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية ، لاستعادة القدرة على سداد الديون والوفاء بالالتزامات قبل المجتمع وتجاه الآخرين.

==============

اm

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى