اقتصادات النفط .. والذكرى الحادية و الخمسين لانتصار حرب أكتوبر
بقلم :
محمد محمود عثمان
مع الاحتفال بالذكر الحادية والخمسين لانتصار حرب أكتوبر 1973 المجيد التي سطرت ملحمة الانتصار التي نقلت العرب من ذل الانكسار في حرب يونيو 1976 إلى فخر العزة والكرامة والانتصار على الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر والتي سيقف عندها التاريخ العسكري طويلا وتدرس في الأكاديميات العسكرية العالمية حتى الآن ، بعد أن ضرب الجندي المصري أروع مثال للقوة والصمود ونجح في العبور وتحطيم خط بارليف الحصين وتحقيق الخداع الاستراتيجي الذي اذهل أكبر المخابرات العالمية ، و كنت أحد المشاركين في هذه الحرب المجيدة ،والتي كانت مفاتيح النصر فيها هو القوة الاقتصادية للبلاد العربية التي ساندت مصر وسوريا باتخاذ أول – وآخر- قرار اقتصادي يجتمع عليه العرب في العصر الحديث حتى الآن ، علينا أن نتذكر تداعيات الحرب على إعادة هيكلة صناعة النفط، حيث ارتفعت إيرادات صادرات النفط للدول العربية المصدرة للنفط) من 14 مليار دولار للعام 1972، إلى 75 مليار دولار عام 1974، أي أكثر من خمسة أضعاف ما قبل الحرب مباشرة، وهذه الزيادة في الأسعار كانت لها آثارا ايجابية على الدول المصدرة للنفط في العالم اجمع ، وفي دول الخليج وبلدان الشرق الأوسط ، التي أصبحت تسيطر على سلعة حيوية ، وشكل تدفق رأس المال لها مصدرا هاما لتكوين ثروات واسعة ،كانت سببا في النهضة وفي التقدم الذي تشهده دول المنطقة حتى الآن،بعد أن قررت أوبك خفض إنتاج النفط، وفرض حظر التصدير إلى الغرب و الولايات المتحدة وهولندا تحديدا، حيث قامت هولندا بتزويد إسرائيل بالأسلحة وسمحت للأميركيين باستخدام المطارات الهولندية لإمداد ودعم إسرائيل.
كما أحدثت حرب السادس من اكتوبر 1973، تغيرات عميقة في كثير من المجالات الإقليمية للمنطقة العربية. و كان لها انعكاسات على العلاقات الدولية بين دول المنطقة، والعالم الخارجي، خاصة الدول العظمى والكبرى والدول الخليجية النفطية والتي نشأ منها علاقات اقتصادية وتداعيات عسكرية حيث كان النفط القوة الدافعة وراء غزو عراقي وحرب الخليج ، وكان من شأنه أن أدي إلى التدخل العسكري الأميركي في المنطقة .
بعد أن اعتبرت الإدارة الأمريكية أن مصلحة أميركا الأساسية في تأمين النفط الخليجي حتي لا تتعرض لضغوط العرب أو تحكمهم في مصادر النفط الخام ، الذي أثر على الاقتصاد الأمريكي في وقتها ،الذي شهد ارتفاع معدل البطالة من 5.5% إلى 7.8% خلال فترة الركود، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4% في عام 1991، وانخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 4.5% . ونتيجة لذلك، واجهت العديد من الشركات الإفلاس أو تقليص حجمها، وخاصة في قطاعات التصنيع والبناء والتجزئةـ
كما حدثت أزمة مالية عالمية طاحنة، تجسدت في انهيار كبير في أسواق الأوراق المالية استمر إلى آخر عام 1974 وأضر بجميع الأسواق الرئيسية في العالم، وخاصة بريطانيا ، واعتُبرت الأزمة واحدة من أسوأ حالات ركود بورصات الأوراق المالية في التاريخ الحديث لأنه بعد سبعة أيام من حرب أكتوبر أقامت الولايات المتحدة جسرا جويا هائلا لنقل السلاح إلى إسرائيل الذي ردت عليه السعودية والعراق وإيران والجزائر والكويت والإمارات وقطر برفع أسعار النفط بنسبة 17 % وخفض إنتاجها، وتبع هذا الحظر الذي فرضته الدول العربية على تزويد الدول التي تؤيد إسرائيل بالنفط، و كانت الخطة العربية واضحة في استخدام النفط سلاحا، أملا في إقناع الغرب بالضغط على إسرائيل للتخلي عن الأراضي المحتلة، وحديثا كشفت وثائق بريطانية أن بريطانيا والولايات المتحدة شككتا في إرادة العرب وقدرتهم على وقف ضخ النفط للغرب خلال حرب السادس من أكتوبر عام 1973،وكانت صدمة قوية لواشنطن ولندن من إقدام العرب على حظر النفط بعد تدفق الأسلحة الأمريكية على إسرائيل، ونجح العرب حينئذ في رسالتهم للولايات المتحدة بأن مصالحها الاقتصادية والتجارية والمالية ، مع العرب وليس إسرائيل، ولذلك فكرت مؤسسات الأعمال الأمريكية بشكل أكثر جدية في دراسة أولوياتها ومع من تُوجد مصالحها بعيدة المدى في الشرق الأوسط ،ولكن الإدارة الأمريكية حسمت ذلك بالاستفادة من الوجود الإسرائيلي ودعمه اقتصاديا وعسكريا ليكون زراعها في المنطقة لتأمين مصالحها الاستراتيجية ومصالح شركاتها التجارية ، وأصبح ذلك هو التوجه الغربي الأوروبي والأمريكي، بشأن العامل الاقتصادي في الصراع العربي الإسرائيلي ، والذي يؤكده الموقف الدولي من الأحداث الأخيرة في غزة وفلسطين ولبنان حيث التزمت دول الغرب الصمت الرهيب مع تجاهل كل القوانين والمواثيق المدنية والإنسانية والقرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن ، ولكن يمكن القول ما أشبه اليوم بالبارحة كما يقال ، نحتاج إلى ضغط عربي مكثف على أمريكا ودول الغرب والتهديد باستخدام سلاح النفط والمصالح الاقتصادية معهم إذا استمرت ازدواجية التعامل مع العرب وقضيتهم الأولى في فلسطين ، كما فعلت العرب ذلك أثناء حرب أكتوبر 1973 وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية التي قدمت مذكرة لأمريكا قالت فيها “إن المملكة العربية السعودية مستاءة استياء بالغا من موقف أمريكا الأخير المؤيد لإسرائيل، ومن استئناف إمداد إسرائيل بالأسلحة، و في مواجهة هذا الموقف الأمريكي المتحيز، ستجد السعودية نفسها مجبرة على خفض كمية النفط، الأمر الذي سيضر بدول السوق الأوروبية المشتركة. وبناء عليه، فإن الأمر متروك لهذه الدول كي تنصح أمريكا بتغيير موقفها المؤيد لإسرائيل، إذ أن هذ الدول ستتضرر أكثر من أمريكا من خفض كمية النفط “
ولعنا بذلك نتدارك إغفالنا لأهمية استخدام اقتصادات النفط كسلاح قوي في أيد العرب في مواجهة ما يحدث في فلسطين على مرأى ومسمع من العالم أجمع .
======
mohmeedosman@yahoo.com