أخبار عاجلةأراء ورؤىرئيس التحرير

نكبة العمال .. في عيدهم

محمد محمود عثمان

  بأى حال عدت ياعيد ؟..  هذا هو لسان  حال كل عمال العالم مع الاحتفال باليوم العالمي للعمال الذي يصادف الأول من شهر مايو من كل عام ، هذا السؤال في بساطته ،تعجز كل الحكومات عن الاجابة عليه ، لكنها تترك  الأرقام  ترد نيابة عنها  ، من خلال أعداد العمال المسرحين والمفصولين والمخفضة رواتهم والحاصلين على إجازات إجبارية، لتضاف إلى جانب الأرقام المسجلة سابقا عن حجم البطالة في العالم  ، لتعلن عن نكبة وكارثة عمالية حقيقة لم يشهدها العالم من خلال الأزمات الاقتصادية التي مرت عليه منذ ثلاثنيات القرن الماضي ، مع انكماش الاقتصاد ، وتهاوي الاستثمارالمحلي و الأجنبي المباشر وشلل القطاعات الخدمية وخسائر الطيران والسياحة  والسفر،وخسائر عائدات النفط،  ويمكن أن نطلق عليه ” العيد الحزين للعمال”لأن مؤشر زيادة خسائر المكاسب العمالية لسنوات قادمة لا يمكن التنبؤ بها الآن،بعد أن أشارت منظمة العمل الدولية إلى  فقَد ما يقرب من 25 مليون وظيفة على مستوى العالم نتيجة وباء كورونا،  إلى جانب  188 مليون عاطل عن العمل، في عام 2019  ، ومن المتوقع أن يرتفع عن هذا المستوى في 2020  ، بالإضافة إلى وجود حوالي 470 مليون شخص حول العالم يعملون بأجر غير كاف، إلى جانب ملايين العمالة غير المنتظمة ، لذلك تحتاج الدول إلى  مليارات الدولارات للحفاظ على الوظائف ومساعدة العاطلين عن العمل  أو لإبقاء على  العمال في وظائف جزئية، أو لتعويض خسائر الشركات والمصانع المتضررة
  والمعادلة الصعبة الآن تكمن في عجز الحكومات عن توفير البدائل ، لمواجهة أزمة البطالة ، التي تتفاقم اعتبارا من 2020، ولا يبدو في الأفق مخرج سريع وغير مكلف، لذلك نردد مع الشاعر المتنبي : بأي حال عدت ياعيد ، بما مضى أو أمر فيه تجديد ؟

لأن عيد العمال هذا العام أتي بمتغيرات ومستجدات أثرت على كل أطراف الإنتاج  ، الحكومات وأصحاب العمل والعمال، الكل متضرر، ومن الصعب إيجاد الحلول الناجزة ،  باعتبار أن العمال هم الطرف الأضعف دائما في المنظومة والأكثر تضررا، ولا سيما أن منظمة العمل الدولية التي تعد بمثابة صمام الأمان لحقوق العمال في بلدان العالم  ،تقف عاجزة تماما إلا من بعض التقارير التي لا تقدم أو تأخر في مسار  الأزمة ومنحنياتها التي تتصاعد ، في ظل عالم منغلق وإجراءات احترازية  عالمية منذ أكثر من ثلاثة أشهر ،  ولا أحد يدري إلى متى إذا لم يتم التعايش السلمي مع كورونا بكل سلبياته ؟

ويصبح الأمر في المنطقة العربية الأكثر خطورة لأنها الأعلى نسبة بطالة في العالم حيث  تصل إلى  9.81% من إجمالي السكان بينما  تصل إلى 17 % في بعض الدول ، وهي تعد قوى بشرية مهدرة لأنها طاقات عاطلة غير منتجة من جهة ومن جهة أخرى قوى استهلاكية في ظل ظروف اقتصادية صعبة ،  بينما يصل المعدل العالمي في نسب البطالة إلى 5.38 % فقط، وذلك بحسب إحصائيات البنك الدولي  بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، في الوقت الذي تسجل فيه منظمة العمل العربية غيابا تاما عن المشهد ، ويبقى الأمل في المحاولات الفردية على مستوى كل دولة واستراتجيتها للحد من الآثار السلبية التي فرضها وباء كورونا على الجميع ، كما فعلت سلطنة عمان بإنشاء صندوق الأمان الوظيفي والذي تبرع  له جلالة  السلطان هيثم بن طارق  بمبلغ 10 ملايين ريال عماني كبداية تأسيسية ، وهومضة مضيئة و بداية جادة لتحقيق الأمان للعمال الذين يتعرضون لفقد وظائفهم لأي من الأسباب ،كما قامت مصر بصرف إعانات عاجلة للعمالة غير المنتظمة المتضررة  اقتصاديا ،

وبخلاف ذلك على المستوى العربي علينا أن  نسأل عن ما هو الجديد الذي تحقق للعمال في هذا العام ؟ ولكن المؤلم عربيا أن هناك غياب تام للنقابات العمالية القادرة على تقديم الأفكار والتشريعات التي تحقق الأمن الوظيفي للعمال وأسرهم من خلال برامج عملية ، وأمامنا تجارب عالمية ناجحة ففي إيطاليا على سبيل المثال يتكفل نظام التأمينات والمعاشات بصرف إعانات البطالة أتوماتيكيا للعامل ( من كل الجنسيات ) لمدة ستة أشهر حتى يدبر خلالها سبل الإعاشة، وفي حالة الكوارث مثل كورونا يتم صرف 80% فقط من قيمة الأجرويتحمل العامل20% ، حيث يقضي النظام بخصم جزء من الراتب الشهري للعامل ، بالإضافة إلى حصة صاحب العمل ،على أن تستثمر هذه الأموال لتعظيم قيمتها ، وأعتقد أن مثل هذا النظام لو طبقناه عربيا سوف يخفف الكثير من الضغوط عن كاهل ومسؤولية الحكومات ، خاصة خلال الأزمات الطارئة ، لأنه ومع طول أمد كورونا، فإن التوقعات تشير بأن يتخطى عدد العاطلين حاجز الـ 50 مليون ، وهى  أرقام  مخيفة ومرعبة  في ذات الوقت  ، و على الدول الاستعداد من الآن للتعامل مع  هذه الأزمة باعتبارها الأعقد بل الأكثر تعقيدا  خلال السنوات المقبلة،

لذلك يا حبذا لو تم إقرارنظام التأمينات والمعاشات  كأداة تكافلية تضمن للعاملين المسرحين من القطاع الخاص نوعا من الاستقرار ، كنوع من الرعاية ” بعد انتهاء الخدمة ” تعادل آخر أجرشهري ، في إطار ما تقدمه الدول كرعاية عمالية ، وعندي يقين بأن إدارة الرعاية العمالية بوزارة القوى العاملة  العمانية قادرة على ذلك وأكثر،لتكون القدوة أمام الآخرين ،  حتى نجد الجديد المفيد في عيد العمال القادم، بإذن الله وليكون ذلك  هو الاجابة الإجابية على سؤال الشاعرالمتنبي :بأي حال عدت ياعيد *** بما مضى أو أمر فيه تجديد ؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى