القطاع الخاص والبنوك .. والتراجع الاقتصادي
محمد محمود عثمان
لاننكر أن كورونا أحكم قبضته على كل الاقتصاديات المتقدمة قبل النامية في النصف الأول من العام الجاري ولا زالت مخاطره قائمة وقاتمة ، وتؤثر سلبا على الصحة والأرواح والوظائف وسبل المعيشة والحياة ، وعلى متانة الأنظمة المالية و الصحية وظهور الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية ، وإن كانت غير منظورة في بعض المجتمعات حتى الآن ، وربما يبدو ذلك أكثر وضوحا عندما تتأثر النظم السياسية على المدى البعيد ، مع تأخرالتعافي الاقتصادي العالمي، وتراجع الأنشطة الاقتصادية المتتالي في عدة شهور ،الذي ينتج عنه الركود ،الذي يتحول إلى كساد عندما يبدأ الناتج المحلي الإجمالي في الانخفاض بدرجات مختلفة ، و يعد انعكاسا طبيعيا لضعف الحركة أو توقفها في القطاعات الخدمية والزراعية و الصناعية والتجارية والمصرفية،وإحجام مؤسسات التمويل والبنوك عن الإقراض
والتمويل، خاصة أنها تعاني من نقص السيولة ، لعدم القدرة على تحصيل الديون وزيادة الديون المتعثرة والمعدومة ، وعدم قدرة المدينين على السداد، ولاشك أن عدم قدرة مؤسسات التمويل و البنوك على أداء وظيفتها التمويلية له تأثيرات سلبية خطيرة على أداء القطاع الخاص ، خاصة إذا كان القطاع الخاص هشا أو ضعيفا ويعتمد في الأساس على حجم الانفاق الحكومي ، الذي تراجع كثيرا مع اتباع سياسات التقشف والترشيد ، نتيجة لتوجه السياسات إلى دعم تمويل المنظومات الصحية ، كأولوية أولى وعاجلة في الخطط الراهنة ، لأنه بين الركود والكساد تتعثرالمشروعات و تتوقف الشركات ،الكبيرة و الصغيرة والمتوسطة ، وتهرب الاستثمارات أو تتوارى مؤقتا باعتبار أن رأس المال جبان ، ومن ثم يصاب الاقتصاد بالشلل شبه التام ، ومن هنا تبدأ أهمية سرعة التخطيط لاحتواء هذه الأزمة بمجموعة محفزات ومنشطات للعمل على الحد من تفاقم تداعيات الجائحة عند خط معين لا نسمح بالهبوط عنه ، حتى يمكن النهوض من جديد واستعادة البيئة التشغيلية لمستويات مقبولة قبل عودتها التدريجية لمستوياتها الطبيعية قبل الأزمة
ومن أهم المحفزات الإسراع بتخفيف إجراءات الإغلاق والعودة للحياة الطبيعية في ظل احتياطيات وقائية صارمة ،ومتابعتها ومراقبتها بدقة وجدية ،لأن فاتورة التأخير قاسية ولا يمكن لأي أقتصاد – مهما كان جدارته وقوته – تحملها أو استيعاب أثارها المدمرة
وأن تبحث الحكومات من خلال وزارات التجارة والصناعة وغرف التجارة والصناعة وبمشاركة المنظما ت العمالية ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل
الإعلام المختلفة سبل الخروج من هذا النفق المظلم من خلال:
– تنظيم وضبط سوق العمل والمحافظة على الأيد العاملة من أصحاب المهارات والخبرات باعتبارها العنصر الأساسي في العملية الإنتاجية
– زيادة الإنفاق الاستثماري الحكومي الذي يدعم مشروعات وشركات القطاع الخاص التي انهارت أو توقفت أو تعثرت ، لإنقاذها من الغرق ولوضعها على الطريق
– تعزيز ادارة المخاطرالبنكية لتحقيق الاستقرار المالي في الجهاز المصرفي لمواصلة الاستقرار المالي في الجهاز المصرفي
– الالتزام بمباديء الشفافية والإفصاح ،وتمسك وسائل الإعلام بالمنهجية والموضوعية والمصداقية التي تعبر عن الواقع بدون تهويل أو تقليل أو تهوين
– سياسة مرنة للتعامل مع المستجدات التي قد تطرأ أو تستجد نتيجة لتاثر المراكز المالية في الأسواق المالية العالمية ، التي يصاحبها كساد في سوق الإعلانات وتراجع في عمليات التسويق والترويج ،التي تعد مؤشرا واضحا وصريحا باتجاه الاقتصاد نحو التباطؤ ،وما يصاحبه من زيادة معدلات البطالة وتراجع الأجور، وتقلص أو انعدام فرص العمل الحقيقية ، والتي تمثل أعراض الموت السريري لمعظم الأنشطة التجارية والاقتصادية إن لم يكن جميعها
– التحوط الشديد في التعاملات مع المؤسسات المالية والبنكية العالمية التي سوف تتأثر حتما بالمتغيرات الجيوسياسية او الجيواقتصادية التي ستفرزها تداعيات كورونا حفاظا على الأصول البنكية والاستثمارات المحلية في الخارج
– مراعاة مشاكل و احتياجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تجبر على التصفية والإفلاس ،لأنها لا تستطيع توفير السيولة لتسييرعملها ، في ظل عدم القدرة على توفير ضمانات الاقتراض ،التي تتطلبها البنوك وشركات التمويل ، المرتبطة بالروتين والبيروقراطية والخوف من اتخاذ القرار ، بما يمثل العقبة الكؤد أمام مواصلة مسيرتها