أراء ورؤىرئيس التحرير

البنوك والدور المفقود .. للتعافي الاقتصادي

محمد محمود عثمان

الظلال الكئبية لجائحة كورونا  ستظل آثارها محفورة في  قطاعات المجتمع لفترات قادمة ،لأن تحديات هذه المرحلة خطيرة وتداعياتها مدمرة للاقتصاديات الضعيفة وحتى المتوسطة ، وقد نحتاج إلى وقت أطول لتحسين التوقعات السلبية التي فرضتها هذه الجائحة، إذا استمر العجز عن ضخ سيولة كافية لتعيد الحياة من جديد للاقتصاد ولو على مراحل ، حتى يمكن الوصل إلى حالة التعافي الاقتصادي المنشود،  لأن التفاؤل بالوصول لعلاج ناجع أو مصل وقائي من كورونا ، خلال النصف الثانى من عام  2021 في أحسن الأحوال،  لم يغير كثيرا من الأثر السلبى لخسائر  الاقتصاد بصفة عامة، ومنه قطاع  البنوك -الذي يعتقد البعض أن دورها مفقود -والمؤسسات المالية وشركات التأمين  التي تتأثر وتؤثر في كل الأنشطة الحياتية ، خاصة أن البنوك لم تقرا جيدا معطيات المسارات الاقتصادية ، ومن ثم لم يكن لديها القدرة على تقدير الخسائر الائتمانية المحتملة ، ومع تعمق الأثر الاقتصادي للوباء، لم تمتلك الخطط والاستراتيجيات البديلة للانتقال من فترة الإغلاق الكامل والتخفيف التدريجي للقيود في معظم المناطق ،

لأن تراجع النشاط المصرفي ونشاط التأمين وانخفاض معدلات الإنتاج والتشغيل وزيادة البطالة والاستغناء عن الأيد العاملة أو تقليصها  يجعل المخاطر مركّبة ويصاب الاقتصاد  بالركود التضخمى ،حيث تشير مؤسسات التصنيف العالمية مثل “بيتش” أن معظم البنوك دخلت الأزمة، وأن  82 %  من بنوك أوروبا الغربية  تصنيفاتها  سلبية و هذه أعلى نسبة على مستوى العالم، تليها بنوك الشرق الأوسط وأفريقيا، ثم بنوك أمريكا الشمالية.

وأيضا  مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية أشارت إلى  أن  الخسائر المتوقعة للنظام المصرفى العالمى نتيجة  أزمة كورونا خلال العامين ٢٠٢٠ و٢٠٢١ بنحو 2.1 تريليون دولار، والحكومات أيضا تأثرت سلبا وبشدة في مواردها خاصة التي تعتمد على الريع النفطي في ظل توقف كل الأنشطة الاقتصادية والخدمية ، وقيامها بالإنفاق بقوة لمواجهة  كورونا حفاظا على صحة الإنسان ، واتخاذ الإجراءات الاحترازية وتمويلها ، وهى لا تمتلك  تنوعا لمصادر الدخل ، بعد أن أثرت  جائحة كورونا عالمياعلى قطاعات النفط والغاز ،

وقيام بعض الشركات الحكومية بسحب جزء من الودائع البنكية ،لتمويل الاحتياجات الطارئة المرتبطة بمكافحة الجائحة، وفي المقابل قيام  البنوك بزيادة مخصصات التحوّط التي تؤثر بقوة فى مراكزها المالية ، بالإضافة إلى التأثيرعلى الأرباح ونمو التمويل ،لذلك فإن إنقاذ  سفينة الاقتصاد قبل أن  تغرق  في حاجة إلى سرعة الإنفاق حتى يمكن تعويمها لتواصل المسيرة ، وهذا واجب الحكومات بحكم المسؤوليات والإمكانيات ، وبمساعدة البنوك ومؤسسات التمويل بما لديها من وفورات واحتياطات وقدرة قانونية وتنظيمية على استعادة تمويلاتها والمحافظة على ثرواتها، لأن العجزأو التباطؤ  في الإنفاق يقودنا حتما إلى الإخفاق ، ولا يتأتى لنا معالجة  ذلك بالأماني أو الرجاء، كما لايمكن أن تظل أيد الحكومات مغلولة إلى عنقها طوال الوقت، ولا أن تتجاهل المؤسسات المصرفية والمالية احتياجات المرحلة القادمة ، ولا شك أن هذه التحديات تفرض على الإدارات المسؤولة في كل المستويات والقطاعات الحكومية والبنكية  والخاصة  إتخاذ عدة قرارات سريعة ومدروسة في الوقت ذاته ،ضمانا للحفاظ على كياناتها واقتصادياتها ، بتنفيذ مشروعات استثمارية جديدة ، ودعم المشروعات القائمة   وتقديم حزم من التسهيلات المرنة التي تواكب متطلبات الأزمة القائمة والمستمرة إلى حين ،وألا تتغافل عن مشاكل الأفراد والشركات والمتاجر وأصحاب المهن  الحرة من المهنيين ، لأن العودة إلى الوضع الطبيعي لإعادة الحياة للأنشطة الاقتصادية من جديد ، يحتاج إلى وقت وصبر حتى تسترجع الشركات قدرتها الإنتاجية كاملة ، وأن تتخذ البنوك المركزية إجراءات حاسمة لمساعدة البنوك ،

وللمحافظة على متانة  الملاءة المصرفية  ،وفتج مجالات وقنوات جديدة لاستيعاب المدخرات المحلية،وعدم مطالبتها باحتياطيات ومخصصات إضافية ،لمواجهة الديون المتعثرة  حتى تتمكن من تأجيل استحقاقات القروض ومواجهة زيادة  معدلات تعثرالعملاء وإطلاق مبادرات جديدة لتمويل المشروعات الصغيرة، وإعادة هيكلة مديونيات القطاعات الإنتاجية المتعثرة  في القطاع الخاص ، وأن تكون هناك  تسهيلات حقيقية للشركات  والمؤسسات التي تحتاج إلى تيسيرات ،ولدعم المشاريع الوطنية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ،التي تعاني من عدم القدرة على الوفاء بالأجور والمرتبات وبالتزامتها الأخرى تجاه الآخرين ومنها المستحقات الإيجارية ،   وتحفيز المستثمرين الدوليين والمحليين ، وأن تطرح شركات الاتصالات والمياه والكهرباء حزمة من التسهيلات لتسوية مستحقات الفواتير، مع  التقسيط لفترات طويلة ، والا تقف صناديق التقاعد والصناديق الاستثمارية المحلية بعيدة عن المشاركة بحصص أكبر في السوق المحلي ، حتى نعبر هذه الأزمة بأقل الخسائر، ونحقق التوازن والثقة في السوق، وبغير ذلك فإن الكارثة الأكبر أن ينهار الاقتصاد ونحن في موقف المتفرجين أو المنظرين .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى