أراء ورؤىرئيس التحرير

أسواق العمل وحقوق العمال .. في زمن الكورونا

محمد محمود عثمان

اضطربت أسواق العمل كثيرا في زمن كورونا حتى أن بعض الدول تضطر إلى إصدار قوانين تسمح لشركات القطاع الخاص بمخالفة قوانين العمل ، و بتخفيض الرواتب بنسب تصل إلى 60%  أو بفرض إجازات إجبارية ضمن فترة الحجر الصحي أو الإجراءات الاحترازية ،وكذلك السماح بتسريح الأيد العاملة بدون ضوابط ، وعجز النقابات العمالية عن مواجهة ذلك ،وعدم قدرتها على  التدخل للحفاظ على حقوق العمال ، ولا سيما أن معظم التشريعات العمالية القائمة في البلاد العربية  تحتاج إلى مراجعة وتطوير شامل ، فيما يتتعلق بنظم وقوانين التأمينات الاجتماعية، والتأمين ضد البطالة ، والتأمين الصحي الإلزامي ، والرعاية العمالية الحقيقية ، التي توفير المزيد من الامتيازات والخدمات الاجتماعية للعاملين في القطاع الخاص بشكل عام،وتؤمن لهم العيش الكريم حتى بعد فصلهم من العمل أو الاستغناء عنهم بشكل جماعي  ، و حتى تتوافق القوانين المحلية وقوانين منظمة العمل الدولية مع مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان،

ولا سيما أن  دول العالم بدأت في بدايات القرن الماضي الاهتمام الواسع بحقوق العمال انطلاقا من الاتفاقيات الدولية ووثائق حقوق الإنسان ،  حتى أن الدول العربية بدأت بإنشاء منظمة العمل العربية لتحقيق التقارب والتوافق بين قوانين العمل المحلية وهذه القوانين ،  لتحقيق بيئة عمل مناسبة تساعد على زيادة الإنتاج وإنتاجية العامل ، وتحقق الانسجام والترابط بين أطراف الإنتاج ،

ومع ذلك فإن مفهوم الرعاية العمالية في معظم بلادنا العربية ، برغم ما به من تعديلات  وتحديثات، لايزال دون المستوى المنشود ،إذ أن مفهوم الرعاية العمالية لا يقتصر على من انخرطوا في سوق العمل فقط ، إنما يمتد إلى عدة أمور أخرى ، خاصة في مجال الحد من البطالة بين الشباب المتعلم وحديث التخرج ،وتأهيل وإعداد القوى العاملة المتوقع دخولها إلى سوق العمل ، من خلال تزويدهم بثقافة العمل وبالمهارات التكنولوجية والتقنية في الحرف والمهن المختلفة المستجدة التي يحتاجها المجتمع  في ظل استخدام الذكاء الصناعي ، بما يمكنهم من الانخراط في العمل بسهولة مع القدرة على منافسة الأيد العاملة الوافدة الرخيصة والمدربة والصمود أمامها ، وكذلك في مجال  توفير التغطية التأمينية للعمالة غير المنظمة التي تعمل في بعض الصناعات وفي القطاعات السياحية والعقارية والزراعية

وكذلك وضع المعايير والآليات التي تضمن للعامل المفصول من العمل – أو المستغنى عنه تحت أي ظرف –  سبل العيش الكريم له ولأسرته ، وكذلك مساعدته في الحصول على فرصة عمل أخرى، وفق رؤية اجتماعية واقتصادية تحقق السلام الاجتماعي بين الجميع ،  كما تفعل ذلك الرعاية العمالية في الدول الأوروبية ، التي تضمن للعمال  وأسرهم الحد الأدنى للنفقات  وتقديم خدمات اجتماعية مباشرة ،من خلال صناديق خاصة بالرعاية العمالية ، وذلك لفترة زمنية محددة حتى يتمكن العامل من الحصول على فرصة عمل ، على أن يتم

تمويل هذه الصناديق من الرسوم والضرائب على الشركات الكبرى،وزيادة اشتراكات ومستقطعات التأمينات الاجتماعية من رواتب العمال من كل الجنسيات ، وإصدار وثيقة تأمينية موحدة ضد هذه المخاطر ، كما أنه في بعض الدول تتولى الرعاية العمالية المطالبات القضائية المستحقة للعامل المفصول ، الذي له مستحقات لدي جهة العمل ، وبذلك تحمي المجتمع من الآثار السلبية ومن الجرائم التي قد تحدث إذا استمر العامل بدون دخل يفي بمتطلباته الأسرية، ومنهم عمال وعاملات من جنسيات أجنبية ليس أمامهم من سبيل ،و قد يدفعهم ذلك للإخلال بأمن المجتمع  والانخراط في تجارة المخدرات أو في ارتكاب جرائم مخلة بالآداب، ووفقا للمادتين 22 و23 من وثيقة حقوق الإنسان العالمية  ووفق مفهوم دولة الرعاية ؛ فإن الرعاية العمالية في الدول الغربية  توفر للعامل وأسرته  الحد الأدنى من الدخل والرعاية  الصحية  والخدمات الاجتماعية الضرورية و المسكن والغذاء والكساء في حالة المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة  أو السجن ، وأيضا في الحالات الأخرى التي يفقد فيها وسائل معيشته لأسباب خارجة عن إرادته..

وهذه التطبيقات تتوافق مع مباديء العدالة والشريعة الإسلامية التي تهتم بضمان الحياة الكريمة للإنسان من أي جنس أو نوع ، ولذلك تحتم الظروف الاقتصادية التي تعاني منها شركات القطاع الخاص – الصغيرة والكبيرة – التي أنتجتها الآثار السلبية لوباء كروونا ، أن تتوحد جهود وزارات القوى العاملة والتأمينات الاجتماعية  والمسؤولين عن القطاع الخاص بغرف التجارة والصناعة والنقابات العمالية ومنظمات وهيئات حقوق الإنسان وكل من يمثل أطراف الإنتاج ، لوضع الصيغة الملائمة ، التي تحقق مصالح العمال ومصالح القطاع الخاص ، ومصلحة المجتمع ،بدون الإخلال بالقوانين والاتفاقيات الدولية ، وصولا إلى تحقيق التنمية المستدامة،لضمان السلام المجتمعي ، وحتى لا تهدر حقوق العمال ، أو تضطرب أسواق العمل ، ومن ثم تؤثر سلبا على الأنشطة الاقتصادية وعلى اجمالي الدخل القومي ،و تتسبب في تأخر مرحلة بداية التعافي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى