وأخف من بعض الدواء الداء..الرقابة على الأدوية مطلوبة .. حتى في أوروبا !!
محمد محمود عثمان
هل نعيد ما قالة أمير الشعراء أحمد شوقي في الثلاثينات .. وأخف من بعض الدواء الداء ؟ أم نقول بأن الرقابة دائما مطلوبة للتأكد من صحة الإجراءات وسلامتها خاصة فيما يتعلق بصحة وسلامة الإنسان ولا سيما سلامة صناعة الأدوية التي تؤثر مباشرة على الأرواح لأن الخطأ أو الأهمال البسيط له أضرار جسيمة لا يمكن تداركها بسهولة إلى جانب الآثار الاقتصادية الأخرى على قطاع صناعة الأدوية ،
والخطأ ليس عربيا بل أوروبيا ، حيث أخطأت شركة أدوية اسبانية في تعبئة نوع من ألأدوية خاص بالأطفال فبعد أن وصف الأطباء أدوية لعلاجات مشاكل في المعدة مثل الاضطرابات الهضمية لدى الأطفال وغيرها من الحالات، واتضح أن محتوى هذه الأدوية هي لعلاج تساقط الشعر، وأن الشعرقد نما بكثافة عند الأطفال الرضع الذين تناولوها
واتضح أن العلاج الخطـأ قد تم وضعه في عبوّة كان من المفترض أن تحتوي على شراب يحتوي على أوميبرازول، والذي يستخدم لمشاكل الحموضة في المعدة وللاضطرابات الهضمية التي تصيب الأطفال الرضع
ونتيجة لهذا الخطأ الطبي، أصيب أطفال رضع تتراوح أعمارهم بين بضعة أسابيع إلى عامين، فقد نما الشعر بشكل غير طبيعي على أجسادهم وربما أصيبوا أيضا ، بآثار جانبية لم تظهرلها أعراض ظاهرة حتى الآن ، لأن الدواء المستخدم لتغذية الشعر له قدرة على توسيع الأوعية الدموية وقد تؤثر على قلب الرضع والكلى والكبد في المستقبل.
الأمر الأخطر هو إذا حدث خطأ في محتوى لبن الأطفال او المكملات الغذائية التي يستخدما البعض أو في أي نوع من الأدوية التي تسخدم في الحالات الخطرة اللازمة للإنقاذ السريع لمرضى الجلطات الدموية بانواعها والتي تودي بحياة المرضى إذا لم لم يتم اسعافها في أسرع وقت ، أو أدوية التجميل التي قد تؤدي إلى تشوهات في الوجه أو الجلد أو الشعر أوتسفر عن نتائج عكسية وعواقب لا يحمد عقباها
فهل المسؤولية تقع على الطبيب المعالج أو شركات تصنيع الأدوية أو الصيدليات أو الجهات الرقابية الدوائية أو كل ذلك ؟ الأمر جد خير ويحتاج إلى اكثر من وقفة من المسؤولين في كل هذه الجهات ، ومن أجهزة حماية المستهلك أو أجهزة حماية المرضى إذا كان لها وجود في مجتمعاتنا ، لأنه إذا كان يحدث ذلك في الدول الأوروبية المفروض أنها متقدمة ولديها الكثير من النظم والآليات التي تحكم وتتحكم في هذه الأشياء، في ظل التقدم العلمي والتكنولوجيا الحديثة والمتطورة ، فكيف يكون الحال في الدول النامية التي تفتقد إلى الكثير من هذه المقومات ؟
ولا أدري هل شركات تصنيع الأدوية تطبق نظام “الهاسب” وهو نظام تحليل المخاطر و نقاط التحكم الحرجة (HACCP) لمتابعة الإجراءات الوقائية التي تعنى بسلامة الغذاء من خلال تحديد الأخطاء والأخطار التي تهدد سلامته , سواء أكانت بيولوجية أم كيميائية أم فيزيائية ، ومن ثم تحديد النقاط الحرجة CCPs التي يلزم السيطرة عليها لضمان سلامة المنتج
خاصة أن نِظام تَحليل المَخاطر ونقاط التحكم الحرجة قد تم تطبيقه في إمريكا منذ سنوات طويلة على صناعات أخرى غيرالطعام والأغذية ، مثل مُستحضرات التَجميل والأدوية ، ولكن لا أدري هل يطبق في أوروبا وفي البلاد العربية التي تتميز بأدنى مستوى في الرقابة على الأدوية أم لا ؟ ومن هنا يقع عبء كبير على منظمةالصحة العالمية في الزام الجميع بتطبيق هذا النطام حتى وأن كان لا يصلح تطبيقة على مراقبة جودة المنتجات التي تتمثل في نقص المواد الفعالة وتصغير حجم وكمية الأدوية مع الإبقاء على الأسعار بما يتناسب مع هذه الأحجام المصغرة
وإلى جانب هذه المسؤوليات فإنه على الدول المستوردة أن تضع القيود على واردات الأدوية من الدول التي لا تستخدم نظام “الهاسب ” حتى تضمن قدرا من الوقاية المسبقة فالقانون يشرّع إجراء مجموعة من الاختبارات الشاملة للمنتج المصنع فور انتهاء تحضيره قبل الترخيص بتداوله في السواق ،ثم وضع آلية داخلية للرقابة على المنتجات النهائية على كل تشغيلة ، وإخضاعها للمختبرات المتخصصة للتأكد من محتويات التركيبة و مكوناتها ومدى مطابقتها للمرض الذي صنعت من اجله ، و للتأكد من أنها آمنة للاستخدام البشري ،قبل دخولها للأسواق حفاظا على صحة المواطنين وصحة وسلامة المجتمع ، وحمايتة من غزو الأدوية المغشوشة أو غير المرخص لها من قبل الجهات الصيدلية والصحية المختصة ، ولا سيما بعد تفشي ظاهرة إعادة تعبئة الأدوية منتهية الصلاحية وتصدير مصانع الأدوية الأوروبية للبلاد العربية منتجات دوائية استوردتها من بعض الدول الأسيوية بأسعار رخيصة ، ووضعتها في عبوات لمصانع وشركات أوروبية ثم بيعها باسعار مرتفعة على أنها صناعة أوروبية ، لأن التلاعب اوالغش كارثة حقيقة لأنها تتعلق بصحة الإنسان .. ولذلك نقول ثانية : وأخف من بعض الدواء الداء .