مجتمع المستقبل (العربي- الصيني) المشترك.. في ظل “منتدى تعاونهما
بقلم:
خالد عرابي
اختتمت في العاصمة الصينية بكين أمس فعاليات الدورة العاشرة لـلاجتماع الوزاري لـ “منتدى التعاون الصيني – العربي”، وهي تتناسب مع الذكرى العشرين لتأسيس المنتدى الذي تم تأسيسه في عام 2004..
وإذا ما تحدثنا بلغة الأرقام، فعشر نسبة إلى الدورة العاشرة، ولا حتى عشرون أي عاما منذ تأسيس المنتدى لا تمثل شيئا في تاريخ ولا حياة الدول، والأمم والشعوب، ولكن إذا ما قسنا تلك الفترة بما تحقق للجانبين “الصيني والعربي” في إطار هذا المنتدى فهو بحق كثير وعظيم، ويكفي أن نقول أن حجم التبادل التجاري ما بين الصين والدول العربية ارتفع من 36.8 مليار دولار قبل تأسيس هذا المنتدى، ليصل مؤخرا – أي خلال 20 عاما فقط – إلى 400 مليار دولار.
فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ ألقى الكلمة الرئيسية في الجلسة الافتتاحية للمنتدى، -وقد حضرتها شخصيا- وكانت كلمة رصينة ومهمة وشخصت وجسدت جل النقاط المهمة في العلاقات ما بين الجانبين، ولكن كان من أبرز ما لفت نظري وجذب انتباهي منذ بدايتها هو نمط الخطاب الصيني، حيث استهلها الرئيس شي قائلا: ” في كل مرة ألتقي بأصدقائنا العرب أشعر بإحساس عميق بالألفة” وهذا نمط راقي في لغة الخطاب، يعتمد على المودة والقربى، وهذا يعكس ما تكنه الصين تجاه الدول العربية، لأنه جاء على لسان الرئيس شي وهو رئيس الدولة بل وبصفته أمينا عاما للحزب، فهو نواة الحزب الشيوعي الصيني الذي يحكم البلاد منذ أكثر من مائة عام.
وأكد فخامة الرئيس الصيني في كلمته أيضا على أن “روح الصداقة الصينية – العربية” المتمثلة في العديد من القيم السامية ومنها: “التسامح، التعاضد، التضامن، التآزر، المساواة والمنفعة المتبادلة، أو ما أطلق عليه فخامته “النفع للجميع”.
الرئيس شي قال أيضا: إن التضامن، والتآزر مع الجانب العربي لبناء العلاقات (الصينية – العربية) لنموذج يحتذى به لصيانة السلام والاستقرار في العالم”.
وأضاف: “في العالم المضطرب الذي نعيش فيه، الاحترام المتبادل هو السبيل الوحيد لتحقيق التعايش المتناغم.. والإنصاف والعدالة هما الأسس للأمن الدائم”. وأكد الرئيس شي على ضرورة التعاون والشراكة بين الصين والدول العربية، و حدد خريطة واضحة المسار نحو بناء المجتمع “الصيني – العربي” للمستقبل المشترك، أو مشترك المصير.
لقد أصبح بناء المستقبل المشترك للمجتمعين (الصيني والعربي) يتقدم بخطوات ثابتة نحو الأمام، يدعمه في ذلك الكثير من المقومات أبرزها: التفاهم بل والتوافق (الصيني- العربي) على كافة الجوانب والأصعدة الاقتصادية، السياسية، التنموية، الأمنية، والحضارية، وتقود العلاقات (الصينية – العربية) لشق الطريق والمضي قدما نحو التقدم والتطور والرخاء، وبخطوات متسارعة ومتلاحقة.
وتواصل الصين والدول العربية تعزيز التعاون الاستراتيجي لتحقيق مستوى أعلى من الثقة الاستراتيجية المتبادلة. للإسراع في بناء المجتمعين الصيني والعربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد.
يأتي التعاون (الصيني- العربي) كنمط من أنماط التعاون الصيني مع بلدان العالم المختلفة، فهو يأتي في إطار توجه صيني منفتح ومتطور من حيث الشكل والمضمون نحو العالم، فسياسة (الاصلاح والانفتاح) الصينية توجهت بالاصلاح نحو الداخل، و بالانفتاح على الخارج، وقد تم تدعيم ذلك -وعلى طول الطريق- بالخطوات العملية والعديد من المبادرات العالمية التي تضمن ذلك.
على سبيل المثال: طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ في مارس 2013 ولأول مرة مفهوما مهما للغاية وهو “مجتمع المصير المشترك للبشرية”، وجاء ذلك اثناء زيارته لروسيا في خطاب ألقاه في معهد موسكو للعلاقات الدولية، هذا الطرح الصيني الخالص الذي جاء من قمة الهرم لجمهورية الصين الشعبية متمثلا في رئيس الدولة، لم يأت سدى أو مجرد طرح فهو مفهوم دقيق للغاية، كما أننا لو تأملناه قليلا لوجدنا حقا وحتما أن البشرية يربطها مصير مشترك.
والآن ومع مرور عشر سنوات على اطلاق هذا المفهوم، نستطيع أن نقول أن هذا المفهوم العميق المعنى والقيمة والذي يملك العديد من المباديء والأهداف، لم يأت في إطار خطب عصماء، ولا عبارات رنانة جوفاء، وإنما جاءت كأقوال حالفها العمل أو الأفعال، بل لنكن أكثر دقة ونقول: “هي أقوال مدعومة بالأفعال”، وذلك لأنها جاءت وفق دراسة ورؤى واستراتيجيات عبرت عنها الكلمات والعبارات..
ولعل المتأمل للفكر الصيني متمثلا في فكر الرئيس شي جين بينغ، يرى أنه طرح إيجابي وبناء ومبادر دائما، ولذا فقد طرح الرئيس شي العديد من الرؤى ومنها على سبيل المثال لا الحصر: “بناء المستقبل المشترك للبشرية، الإنتاجية ذات الجودة العالية، مباديء التشاور والتشارك والتنافع، والنهضة العظيمة للأمة الصينية، و مبادرة الحزام والطريق، وغيرها الكثير.
وإذا ما توقفنا هنا أمام مصطلح واحد على سبيل المثال وليس الحصر وهو: “بناء المستقبل المشترك للبشرية” وربطناه بالعلاقات الصينية – العربية، فسنجد أن الجهود كبيرة، والدور عظيم والنتائج إيجابية وملموسة دائما.
فواحدة من أبرز المبادرات التي دعمت هذا المفهوم هي “مبادرة الحزام والطريق” التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، ومنذ ذاك الحين وأصبحت المبادرة منصة هامة لبناء المصير المشترك للبشرية، ومما يميزها أنها قائمة على أساس مبدأ التشاور والبناء والتقاسم المشترك والنفع للجميع، ولذا فقد لاقت صدى وتجاوبا كبيرا من حول العالم، حيث وقعت الصين في إطار هذه المبادرة العظيمة حتى الآن أكثر من 200 وثيقة تعاون مع حوالي 150 دولة، و 32 منظمة دولية، ولكن هنا ينبغي الإشارة إلى أن هناك مبادرات أخرى داعمة ومنها إقامة صندوق الصين للتعاون بقيمة 100 مليار دولار، وإقامة صندوق الصين والأمم المتحدة للسلام والتنمية، وشبكة المعرفة والتنمية ومركز التنمية العالمية، وغيرها.
ومما يميز الصين أنها دائما وعلى طول الطريق ملتزمة بسياسة خارجية حيادية قائمة على الحفاظ على السلام وتعزيز التنمية المشتركة في العالم، كما أنها تسعى دائما إلى تعزيز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية. ولذا فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية فإن البلاد لم تعتد على بلد ولم تدخل حربا أو صراعا ولم تحتل شبرا واحدا من أراضي دولة أخرى، كما أن الصين قيادة وحكومة وشعبا ترفض الرأي الذي يقر بأن “الدولة القوية ملتزمة بالسعي نحو الهيمنة”، وهذا ما تتوافق فيه مع الدول العربية، و ذلك بعكس دول الإمبريالية والهيمنة الغربية و سياساتها الاستعمارية التي نهبت ولعقود خيرات الدول العربية و الإفريقية، فكفى ولنتوجه نحو مستقبل مشرق في ظل توجه نحو تعدد القطبية.
……….