أراء ورؤى

لأغراض إنتخابية … إدارة “ترامب” عازمة على إبقاء أسعار النفط منخفضة

د. محمد رياض حمزة

تركز تقارير المتابعة الاعلامية اليومية لتطورات اسواق النفط العالمية على متغيرات آليات السوق التي تحدد سعر برميل النفط  وطالما اهملت ، متعمدة، ذكر التدخلات السياسية المفتعلة للتاثير على الأسعار . فلو أن الهجمات على منشآت  " أرمكو"  النفطية في المملكة العربية السعودية في 14 أيلول 2019 ، وعلى السفن الناقلة للنفط في الخليج العربي قد حدثت قبل عقد او عقدين من الزمن لتجاوز سعر بالبرميل 100 دولار خلال اسبوع من وقوع مثل تلك الاحداث. 
وكما يحدث الان وما حدث على مدى عقود من الزمن فإن التدخلات السياسية المفتعلة في اسواق النفط  كانت عامل قوة بيد مستوردي النفط الخام ، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية، لخفض الاسعار.
الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يريد أن يبقي ورقة الاقتصاد القوية للتأثير على الناخب الأمريكي لصالحه في الانتخابات الرئاسية عام2020 وذلك ببقاء سعر غالون البنزين المستهلك داخل الولايات المتحدة منخفضا ما امكن ( معدل سعر الغالون حاليا في الولايات المتحدة 2.7  دولار ) 

وكان  ترامب قد أعلن ، كما إعتاد أن يظهر قويا متفاخرا متجاوزا محاولات خصومه في الحزب الديمقرطي لخلعه ” أصبحنا الآن المنتج الأول للطاقة في العالم، ولا نحتاج إلى نفط وغاز الشرق الأوسط، ويضيف عندما يكون لديك أفضل أرقام التوظيف في التاريخ ، وعندما يكون لديك أفضل أرقام البطالة في التاريخ ، وعندما يكون لديك أفضل اقتصاد على الإطلاق ، لم أكن أعرف – كيف بحق الجحيم ساخسر هذه الانتخابات :“( فضائية الحرة 16 أيلول 2019)

ففي أعقاب الهجمات على منشآت أرامكو السعودية ، أعلن ترامب تفويضًا بالإفراج عن النفط من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط الأمريكي. علما بأن المخزونات الحكومية ليست كافية ستراتيجيا . ففي الوقت الحالي ، هناك  645 مليون برميل من النفط الخام ، أي أكثر من 1.5 مرة من الكمية الموجودة في المخزونات الأمريكية الخاصة. فمن شأن مخزون الضخم أن يوفر بالكامل استهلاك الخام الأمريكي لمدة شهر كامل تقريبًا. ومع متوسط ​​سعر مدفوع قدره 29.70 دولارا للبرميل الواحد من النفط . وإذا علمنا أن تكلفة المخزون الستراتيجي الحالي للحكومة الأمريكية 19.2 مليار دولار لملئها. حتى في أسعار السوق اليوم ، فإن القيمة المتزايدة لهذا المخزون الخام لا تعوض عن تكاليف البدائل المتاحة لفترة طويلة. كل هذا مجرد انخفاض في التموين مقارنة بالتكاليف الرأسمالية لبناء وصيانة ما قد يكون أعظم خزين ستراتيجي في تاريخ الولايات المتحدة. ولكي تخدم الاقتصاد الأمريكي بشكل أفضل ، يجب إزالة التدخلات السياسة واستبدالها بنهج قائم على السوق. (ستيف هانكي 27 أيلول  2019  ــ Forbes )

وللبرهنة على الحاجة المتزايدة للنفط الخام المستورد من قبل معظم مستوردي النفط الخام ( المستهلكين) وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية نستحضر المقارنة بين أقصى ما تنتجه الولايات المتحدة يوميا من النفط الخام وبين ما تستهلكه يوميا منه  . فإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA).  ) تقول أن المستوى الحالي لإنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام اعتبارا من أيلول 2019 هو (12 مليون و500 ألف ) برميل يوميا.  ويأتي هذا الإنجاز بعد أقل من عام من إنتاج النفط الخام الأمريكي الذي تجاوز 11 مليون برميل يوميًا في آب 2018. مقابل الانتاج اليومي من النفط الخام تستهلكت الولايات المتحدة  ما مجموعه 7.28  مليون برميل من المنتجات البترولية ، بمعدل حوالي 19.96 مليون برميل يوميًا حسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لعام  2017 . وإذا علمنا أن كمية صغيرة فقط من النفط الخام يتم استهلاكها مباشرة في الولايات المتحدة ، إذ يتم تكرير كل النفط الخام الذي ينتج و يستورد إلى الولايات المتحدة تقريبًا ويحوّل إلى  خزين ستراتيجي من إلى المشتقات النفطية مثل البنزين ووقود الديزل وزيت التدفئة ووقود الطائرات النفاثة ،. كما يتم استهلاك السوائل الناتجة من معالجة الغاز الطبيعي كمنتجات نفطية ، ذلك إضافة إلى أنواع من الوقود الحيوي المتجددة ، مثل الإيثانول والديزل الحيوي ، كبديل أو كمضافات للمنتجات البترولية المكررة.  وحتى نهاية  عام 2018  استهلكت الولايات المتحدة حوالي 20.5 مليون برميل من النفط يوميًا ، أو ما مجموعه حوالي 7.5 مليون برميل من المنتجات البترولية.

بمعنى أن هناك هوة فاصلة بين ما تنتجه الولايات المتحدة الامريكية وبين ما تستهلكه من النفط الخام تتجاوز 8 مليون برميل يوميا عام 2019 على إعتبار ألأن نمو الاقتصاد الامريكي في تتصاعد وقد تتجاوز 3% ام 2020.

لذلك فإن منطق آليات السوق ، بعيدا عن التدخلات الساسية ، ترجح تصاعد اسعار النفط خلال المتبقي من عام 2019 والأعوام المقبلة بدعم من التوترات في منطقة الشرق الاوسط . وعلى منظمة الدول المنتجة للنفط ( أوبك) إدراك ذلك ورسم سياستها لصالح إعضائها بالحفاظ على اسواق متوازنة لا ” تخمة للمعروض” التي طالما كانت سببا بتدني اسعار النفط وإلحاق الاضرار بالموارد المالية للدول المصدرة.   

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى