
قابوس سلطان الحكمة والتسامح .. وداعا
محمد محمود عثمان
العين تدمع والقلب يحزن لفراق السلطان قابوس بن سعيد سلطان الحكمة والتسامح والمحبة، في عصر المحن السياسية والتقلبات الاقتصادية والأزمات الإقليمية والدولية، التي تموج بها الساحة العالمية ، بعد أن ودعت عُمان في لحظات حزينة – ابنها البار – قائد السفينة وربانها الذي نجا بها من أمواج متلاطمة ، بل وعاتية في بعض الأحيان ، وحفظ حق الشعب العماني في حياة كريمة ومستقرة ، ونأ بهم من شرور الحروب وأهوالها ، وبنى نهضة شامخة وراسخة يشهدها أجيال الحاضر والمستقبل، منذ أن تقلد مقاليد الحكم قبل 50 عاما مضت، من خلال تجربة فريدة في منطقة الخليج التي ترتبط بمتغيرات عالمية وإقليمية متباينة ، ونشهد بأنها لم تكن سهلة أو بسيطة ، بل كانت قاسية وشديدة القسوة ، لتبدأ عُمان خطواتها بثقة نحو الانفتاح على العالم تتفاعل بأحداثه وتنفعل بها ، بعدما رسمت نهجا وخطا سياسيا متميزا في العلاقات الدولية والعربية والخليجية ،قائما على الحياد والعقلانية وعدم التدخل في شؤون الغير، وعدم الانسياق في ركب الآخرين يسارا أو يمينا، في وضوح وشفافية وبدون مواربة ، مع استقلالية في القرار ، وفي هذه المدرسة السياسية ، وعلى يد سلطان الحكمة والتسامح والسلام ، تربت أجيال متتالية من المسؤولين والشباب الذين سيحملون لواء المسيرة في السنوات القادمة ، فقد كان السلطان قابوس طوال فترة حكمة – التي اتسمت بالحكمة وبعد النظر – رمانة الاتزان والتوازن في العلاقات الدولية والإقليمية ،الذي انعكست آثاره الإيجابية على المجتمع العماني واستقراره وتقدمه ، بعد سنوات عجاف سبقت عام 1970، لتلج عٌمان إلى عصر جديد يزخر بالمشروعات و التحولات العملاقة ، من خلال جسر من النجاحات والإنجازات تتواصل مسافاته إلى وقتنا هذا، مرتبطة باسم السلطان قابوس،
والتي تتجسد معالمها في السياسات المستقرة وخطط التنمية المتواصلة التي تشيد بها المؤسسات المالية الدولية ، نتيجة للتنوع الاقتصادي الذي أعطته السياسات الاقتصادية اهتماما كبير، أو جعلته مرتكزا بل محورا أساسيا في عمليات التنمية المستدامة ،في البادية والحضرعلى السواء ، والتي تسجل صفحة وضاءة في تاريخ الشعب العماني وفي تاريخ السلطان قابوس بن سعيد، الذي فجر طاقات الأمل في نفوس الجميع ،الذين التفوا حوله بكل حب وتقدير ، وفق استراتيجية طويلة المدى ،صاحبتها عمليات تطوير في الأطر القانونية والتشريعية ، وبناء الدولة العصرية بمؤسساتها القانونية ، التي ساعدت على انتقال السلطة بيسر وأمان وسلاسة إلى القائد الجديد السلطان هيثم بن طارق بن تيمور وهو خير خلف لخير سلف ، لتستمر السلطنةعلى نهجه وهدى خطاه في الحياد الإيجابي و السلام والمحبة والتسامح ،
حتى أصبحت السلطنة موضع اهتمام مختلف القوى الدولية ، ما يدل على التميزفي فكر السلطان قابوس والقدرة على استقراء الواقع واستشراف المستقبل ، والمتغيرات العالمية المرتبطة بقضايا العصر، بصورة جيدة ساعدت على التفاعل الإيجابي مع العالم والالمام بمشاكلة ، وبالتحديات التي تفرضها التحولات والمستجدات العالمية من وقت إلى آخر , وربط ذلك زمانيا ومكانيا بمصالح المواطن العماني، لذلك فالجميع من مواطنين ومقيمين صابر ومحتسب لإرادة الله سبحانه وتعالى ، بعد أن أودع السلطان قابوس الأمانة في أعناق أبنائه لمواصلة المسيرة والإضافة إليها ، لتظل عُمان قوية وصامدة وقادرة على مواجهة التحديات وتحقيق الطموحات الآنية والمستقبلية ، انبثاقا من إرث حضاري عظيم لحضارة عمانية عتيدة ، يشهد لها القاصي والداني من شعوب العالم قاطبة .