أراء ورؤىرئيس التحرير

رمضان.. بين كورونا والإسراف

محمد محمود عثمان

ضاعف  كورونا الخسائر الاقتصادية  بسبب عمليات الإغلاق التام التي فرضها على كل  الدول بما فيها  الكبرى،  وتسبب في خسائر اقتصادية عالمية و”نزيف في الوظائف” بعد فقدان الكثيرين لوظائفهم الدائمة والمؤقته ، وزيادة طوابير المتعطلين بالإضافة إلى العاطلين  بعدما توقف العمل في معظم القطاعات الاقتصادية والتجارية والخدمية ،

ومع قدوم شهر رمضان تحتاج الدول العربية والإسلامية  والأسروالأفراد بكل مستوياتهم  إلى ميزانيات ومخصصات مالية ضخمة لتغطية متطلبات شهر الصيام،بما يحمله ذلك من تناقض واضح بين الصيام والإسراف ، وهنا تظهر لنا المعادلة الصعبة بين  كيفية مواجهة وباء كورونا والرعاية الصحية للإنسان ، وبين توفيرما تعودنا عليه من مظاهرللبذخ و الإسراف في شهر رمضان

ففي أوروبا ارتفت وتيرة  تسريح الشركات للعمال  منذ عام 2009، وفقا لاحدث الاحصائيات ،و لتقديرات الأمم المتحدة فإنه من المحتمل فقدان نحومليون وظيفة في الاضطرابات الاقتصادية الحالية ، وهو  أكثر مما تعرض له العالم  خلال الأزمة  المالية العالمية عام  2008 ، وهذا يمثل زيادة الضغوط على الاقتصاديات النامية الهشة ، واصبح ضروريا تدخل الدول في تقديم حزم اقتصادية لمساعدة أصحاب الأعمال ، فما بالك بالأصحاب الففقراء ، ونحن نستعد لشهر رمضان الذي يدق الأبواب ويقرع ناقوس المخاطر المحتملة ، من تكبد الحكومات أعباء مالية إضافية لا يمكن التخلص منها لتوفير كل أنواع الغذاء لمواجهة الصيام والنهم على الطعام ، وما يعنيه ذلك من تناقض واضح بين المقاصد الشرعية وتصرفات البشرية

 في ظل اقتصاديات تعاني من شبه الركود ، وقيام الحكومات بطرح برامج مساعدات وإعانات  تهدف الى دعم الأجور وتقديم الإعفاءات الضريبية والتركيز على الجوانب  الصحية لاحتواء  آثار وتداعيات وباء كورونا  

فقد اضطرت الحكومات  إلى السحب من الاحتياطي لتغطية احتياجات الإنفاق ذات الأولوية اللازمة لمواجهة انتشار فيروس كورونا والرعاية الصحية  للمواطنين وتدابير دعم الاقتصاد الوطني في ظل التحديات التي يواجهها بسبب هبوط أسعار النفط  وتعرض بعض قطاعات الإنتاج إلى مخاطر الإفلاس ، والآن نجد أنفسنا في الدول الاسلامية تحديدا أمام تحدي آخر وهو كيفية مواجهة متطلبات شهر رمضان ، الذي تعودنا الاستعداد له بتدابير وميزانيات واحتياطيات  خاصة لتوفيرواستيراد بالعملات الصعبة للمكسرات والياميش و أنواع معينة من السلع ، في الوقت الذي يعاني فيه ملايين المسلمين من الجوع ونقص المواد الغذائية بعد الظلال الكئيبة السلبية لحصار كورونا والتوقف شبه التام للحياة ولقطاعات إنتاجية صناعية وغذائية وقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة،

 والأكثر مأساوية في  المجتمعات العربية هو  حجم الإنفاق  الغذائي في رمضان ،و حجم الفاقد منه أو ما يلقى في القمامة، فلو أخذنا مصر مثالا في ذلك يقول أحد الخبراء الاقتصاديين “إن نسبة الفاقد الغذائي في مصر الذي يلقى في صناديق القمامة لا تقل عن 60% وتزداد النسبة إلى 75% في الولائم” ، حيث ينفق  المصريون ما بين 30 إلى 40 مليار جنيه شهريًا،ولاشك أننا قد نجد  مثل هذه المعدلات أوربما  تفوقها في بعض المجتمعات العربية

حيث يزداد في رمضان  إنفاق نسبة كبيرة من المواطنين في المجتمعات العربية في  على الطعام والكماليات الأخرى، في مقابل وجود  نسبة كبيرة من المواطنين لا زالت  ترزح تحت خط الفقر وتزداد الحالة سوءًا أكثر في شهررمضان

ومع نمط العادات الغذائية خلال هذا الشهر ومضاعفة النفقات على الولائم والعزائم وموائد الرحمن ، فإن حجم الإنفاق يرتفع بنسبة 50% عن شهورالسنة ، لأن الإنفاق اليومي للبعض كما تشير بعض الاحصائيات يعادل ما ينفق خلال  90 يومًا في باقي أيام السنة ، لذلك يقال إن شهر الصوم وحده  يستحوذ على النصيب الأكبر من نفقات الغذاء خلال السنة،

وهنا لابد من التركيز على عمليات التوعية المسبقة بالمخاطر الاقتصادية التي تترتب على زيادة حجم الانفاق بصورة غير عادية والحد من السفه والإسراف الذي لا يحض عليه الإسلام ، لأنه يدعونا إلى الوسطية ، خاصة في ظل هذه الظروف الطارئة لأزمة كورونا ، ومن ثم  يجب أن يكون هناك دور إيجابي في هذا المجال لوسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي ، وجمعيات المجتمع المدني ،وخبراء المال والاقتصاد والسياسة وعلماء الدين والاجتماع ، وحتى من خلال الكومديا والدراما والفنون المتنوعة ، لنشر ثقافة جديدة لمواجهة هذا التحدي الذي يصعب على الحكومات التغلب عليه بمفردها أو بدون التعاون الجاد والمخلص بين كل فئات المجتمع ، لأن الظروف الراهنة صعبة والتحديات كثيرة وكبيرة، وسوف تؤثر سلباعلى المجتمعات ، لسنوات طويلة قادمة ، الأمر الذي يفرض علينا ضرورات وسلوكيات جديدة في نمط الحياة خاصة في شهر رمضان .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى