حرب النفط .. وانتصار ” العاشر من رمضان ” السادس من أكتوبر 73
انتصار " العاشر من رمضان " السادس من أكتوبر 73
محمد محمود عثمان
تأتي ذكرى انتصار حرب العاشر من رمضان 1393 هـ – السادس من أكتوبر 1973 م، التى عبرت بنا من زمن الانكسارات والهزائم الى ملحمة النصر ثم العبور من ذل الهزيمة الى فخر الانتصار – والتي كان لي الشرف في المشاركة فيها – لتعطي لنا ومضة أمل وتفاؤل ، بعد أن تسببت في رفع أسعار النفط وأحدات نقلة نوعية في اقتصاديات الدول العربية المصدرة للنفط ،بعد أن تضاعفت أسعاره حتى وصلت إلى 75 دولار أمريكي للبرميل ،وهذه الزيادة في الأسعار كانت لها آثارا ايجابية على الدول المصدرة للنفط في العالم اجمع ، وفي بلدان الشرق الأوسط ، التي أصبحت تسيطر على سلعة حيوية ، وشكل تدفق رأس المال لها مصدرا هاما لتكوين ثروات واسعة ،كانت سببا في التقدم الذي تشهده دول المنطقة حتى الآن
وبعد أن نحج العرب في فرض حظر تصدير النفط للدول التي تساند اسرائيل ، وكانت وقفة عربية شجاعة ونادرة في ذات الوقت، ونحتاجها الآن في ظل الأزمات التي تنخر في أوصال الوطن العربي الممزق ، بل والمتصارع على المصالح الفردية ، والتي يستثمرها أعداء العرب في زيادة بؤر الصراع بداية من العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان ، والتي تنهك القوى العربية وتبدد ثرواتها وتستنزف قوتها ، بيعدا عن العدو الحقيقي وهو اسرائيل التي تشعر بأن في ضعف العرب أمن وقوة لها ،
بعد أن انتصر العرب عليها في حرب العاشر من رمضان – السادس من أكتوبر ، تلك الملحمة العسكرية التي وقف أمامها الخبراء كثيرا كأعظم حرب في تاريخ العرب في العصر الحديث برغم مرور47 عاما عليها ، بعد أن حقق الجيش المصري الأهداف القتالية وخطة الخداع الإستراتيجية ، وبعد أن حطمت قوات المدفعية والمقاتلات الجوية المصرية تحصينات خط بارليف القوية ، التي كونت سلسلة من النقاط الحصينة والطرق والمنشآت الخلفية، التي صنعت الخط الدفاعي الأصعب في تاريخ الحروب، الذي أنفقت عليه إسرائيل 300 مليون دولار والذي امتدت دفاعاته أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقي للقناة ، مزودا بخط أنابيب النابالم الحارق وسريع الاشتعال ، على امتداد أطول مانع مائي في العالم وهو قناة السويس ،بعد أن اعتقد الإسرائليون وفق تقديرات الخبراء الروس بأن العرب كان أمامهم 50 عاما على الأقل إذا فكروا في عبور القناة أو شن حرب على إسرائيل ، وأن الخسائر المصرية في الأرواح والمعدات لا تقل عن 75% ، خاصة أن شعارمرحلة حرب الاستنزاف التي اعقبت هزية 1967 كانت مقولة ” أن الجيش الآسرائيلي لا يقهر “،وأن الجيش المصري يحتاج إلى معجزة لعبور قناة السويس ، حتى ترسخت قناعات لدى البعض باستحالة الثأر من هزيمة 67، ولم يعترض الرئيس السادات على ذلك ،بل أنه استثمره بذكاء ، من خلال خطة تمويه استراتيجية غاية في الدقة والإحكام ، خدعت أكبر اجهزة الاستخبارات في العالم ، بعد أمر بتسريح بعض الجنود والضباط في يوم الخامس من أكتوبر أي قبل بدء المعركة بيوم واحد أو عدة ساعات، وتم الإعلان في الصحف عن توجه بعض كبار الضباط للمملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة ،وذهاب وزير الدفاع إلى إمريكا ، في الوقت الذي كان وزيرالخارجية المصري في يوم السادس من أكتوبر يجتمع مع وزير الخارجية الإمريكي هنرى كيسنجر ليبلغة رسالة بأن مصر لا تفكر في الحرب ،ومن هنا علينا أن نتذكر بفخر الانتصارات التي تحققت نتيجة لحرب أكتوبر 1973، و التي جسدت البطولة والشجاعة والتضحية والصبر والتخطيط والتنظيم والإدارة والإرادة ورباطة الجأش وروعة الأداء ودقة التنفيذ ،
وهو ما يجب ان نركز عليه في تربية أبنائنا من الجيل الحالي حتى يتعرفوا على العبقرية العربية في هذه الحرب التي حطمت اسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ، وماحاوله الأعداء من نشر ثقافة الهزيمة بين العرب ،وغرس ذلك في نفوس الشباب ، وفي الشارع العربي على وجه العموم، ولاسيما أن هذه الحرب تجلت فيها الأخوة العربية و التى نفتقدها كثيرا في مواقف نعيشها اليوم متعلقة بحاضر ومستقبل الأمة العربية، حيث تجمع العرب صفا واحدا واستخدموا سلاح النفط وحاربوا به بنجاح ، في حرب العاشر من رمضان ،و هذا ما نحتاجه الآن في مواجهة الخسائرالاقتصادية والأضرار الناجمة عن وباء كورونا ، التي تحتاج إلى خطة اقتصادية أشبه بخطة مارشال التي تتبناها الدول الأوروبية ،لإنقاذ شعوبنا ودعم اقتصادنا حتى يتعافى في مواجهة تحديات ما بعد كورونا ولن نفلح في ذلك أذا لم نجد وقفة قوية وإرادة عربية جادة للعبور من التأثيرات الاقتصادية السلبية وغير المتوقعة لهذا الوباء.