المتقاعدون وأصحاب المعاشات .. والمرتبات
محمد محمود عثمان
المجتمعات العربية أو بعضها يموج بالحراك السياسي والاجتماعي والتداعيات الاقتصادية السلبية التي فرضها مرض “كورونا” قسرا على الجميع بعد أن أصيبت الأنشطة الاقتصادية بشبه الشلل التام واتباع إجراءات احترازية مشددة تحوطا من زيادة إنتشار هذا الوباء ،أو تخوفا من موجة ارتداد المرض ،
واستنفاذ الاحتياطيات المالية ، وانخفاض عائدات النفط والسياحة ، وتوقف التصدير، والتدني الواضح في حجم الإنتاج على كل المستويات، وتأثير ذلك
على موازنة الدول وتزايد العجز، مع ارتفاع الدين العام الخارجي والداخلي،
وما لذلك من تأثير على الاستقرار الاجتماعي ، بعد زيادة أعداد البطالة وخفض الأجور والاستغناء عن العاملين ووجود عمالة غير منتظمة ليس لدها دخل ، ومضاعفة تكاليف مواجهة هذا المرض وعجز بعض الدول عن الاستمرار في عمليات المسح الطبي لاكتشاف الحالات المرضية الإيجابية
على موازنة الدولة وتزايد العجز، مع ارتفاع الدين العام الخارجي والداخلي الأمر الذي فرض ضغوطا على الحكومات ومتخذي القرار عند التصدي لهذه الجائحة المرضية والاقتصادية ، في ظل نقص الموارد المالية ، ولا ننكرأن بعض الدول الأوروبية المتقدمة أصبحت تعاني اقتصاديا وبقسوة ، تولد الشعور بالسخط لدى المواطنين ، وهذا دفع الحكومات إلى سرعة اتخاذ حزم متنوعة من الإجراءات الاقتصادية والتشريعية التي تحمي المجتمع من عدم الاستقرار الاجتماعي ومواجهة ضغوط الأسعاروالتضخم ومتطلبات الأفراد التي ستؤدي إلى اضطرابات اقتصادية و اجتماعية لا يحمد عقباها تتبعها انتشار الجرائم والسرقات حتي أن المعدمين من الأشخاص في بعض الدول يفتعلون المشاكل حتى يتم إيداعهم في السجون لضمان لقمة العيش
وفي ظل هذه الظروف تظهر مشكلة المتقاعدين وأصحاب المعاشات والضمان الاجتماعي ، خاصة في المجتمعات العربية بعد بلوغ سن الستين وأصبح ليس لهم حول ولا قوة أمام متطلبات الحياة الأسرية التي تتضاعف بعد التقاعد أو الاحالة للمعاش مع انخفاض الدخل بنسب معينة بحكم نظم التقاعد الجائرة
التي تلحق أضرارا بالغة بالمتقاعدين وأصحاب المعاشات ،ما يضعهم أما صعوبات إضافية ومعادلة صعبة عنوانها المزيد من الأعباء واختناق المعيشة،
وهذا يعني ضرورة تدخل المشرع لتعديل مبلغ المعاش المستحق للمتقاعدين وأصحاب المعاشات ليكون حده الأدنى هو قيمة آخر مرتب حصلوا عليه في اثناء الخدمة شاملا كل المكافآت والبدلات،لتضاف إليه العلاوات والزيادات التي تقررها الدولة سنويا للموظفين الذين هم على راس العمل
ولو أنصف المشرع الحصيف لأقر زيادة مستحقات تلك الفئة بنسب تصاعدية سنويا لمواجهة التضخم وزيادة الأسعار ولمواجهة متطلبات الحياة التي تتضاعف مع زيادة العمر ،حتى نحقق لهؤلاء ولأسرهم حياة كريمة ،لأن المتقاعدين و أصحاب المعاشات في عمر الستين ،عليهم نفس النفقات والالتزامات الأسرية والحياتية قبل الإحالة إلى التقاعد ،بالإضافة إلى متطلبات العلاج التي تتزايد من زيادة العمر مع عدم القدرة على الحصول على عمل إضافي لتعويض النقص في الدخل ، ولا ندري من العبقري الذى تفنن في حرمان هذه الفئة التي أفنت عمرها في خدمة المجتمع من الحصول على المرتبات والمزايا التي كانوا يتمتعون بها في حياتهم الوظيفية، فهل ذلك عقاب لهم ولأسرهم ؟ ومن العبقري الذي اخترع النظم الإكتوارية المطبقة في حساب قيمة المبالغ المستحقة لهم بعد التقاعد ،
إذ لابد من ربط الرواتب التقاعدية بالزيادات المستقبلية في الأسعار وتآكل قيمة العملات وتضاءل قوتها الشرائية أمام غول التضخم ، ولاسما أن هؤلاء من الآباء الذين تحملوا في شبابهم عبء نهضة المجتمع وتقدمه طوال سنوات خدمتهم في مؤسسات الحكومة وشركات ومؤسسات القطاع الخاص، وأن رد الجميل واجب لهؤلاء ، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول ” ليس منا من لا يوقر كبيرنا ..”
ولقد نجحت الدول الأوروبية في معالجة هذا القصور، بتقرير امتيازات وخدمات إضافية للمتقاعدين وأصحاب المعاشات ممن بلغوا 65 عاما ، مثل تخفيض قيمة إيجارالمساكن ، وتقديم دعم شهري للإيجار ، والحصول على مسكن من الضمان الاجتماعي بسعر رمزي، وتخفيض أسعار الكهرباء والطاقة والمواصلات ، وتأمين العلاج المجاني ، مع رسالة شهرية تدعوه لإجراء الفحص الطبي الدوري ،ولكن قرروا غرامة مالية في حالة عدم مراجعة طبيب الأسنان خلال السنة لإجبارهذه الفئة على مراجعة طبيب الأسنان حماية لصحتهم .
ويجب ألا نمن على المتقاعدين وأصحاب المعاشات ، لأنهم لا يكلفون الميزانيات العمومية للدول أي أعباء ، خاصة أن بعض الدول ومنها جمهورية مصر العربية تستخدم مدخرات أصحاب المعاشات في تغطية عجز ميزانية الدولة ، على الرغم من أن تكلفة المعاشات أو زيادتها لا تتحملها الدولة ،خاصة أن أموال المعاشات في حقيقتها هي حصيلة أقساط سددها أصاحبها من رواتبهم مسبقا ، والمفروض أن تستثمر لصالحهم وتعود إليهم ،