
القطاع الخاص .. والجدل حول الإجازات
بقلم :
محمد محمود عثمان
يثور الجدل بين الحين والآخر حول الإجازات في القطاع الخاص التي قد تستمر إلى نحو الأسبوع في بعض الأوقات ، والتي امتدت إلى 15 يوما لظروف خاصة في إحدى المناسبات ، وعدم وجود تأثيرات ظاهرة على المؤسسات الحكومية والعاملين بها ، باعتبار أن تمديد الإجازات في شركات القطاع الخاص له تأثيرات وأضرار سلبية على أصحاب الشركات التي قد تتحمل راتب هذه الإجازات بدون الحصول على دخل أو عائد يغطي حتى التكاليف التشغيلية ، ولا توجد آلية مؤسسية لتعويضها عن ذلك في ظل غياب الإدارة الواعية أو المسؤولة عن أداء ونجاح القطاع الخاص سواء الشركات الكبيرة أو الصغيرة والمتوسطة ، مع استمرار عجز غرف التجارة والصناعة عن القيام بهذا الدور الذي هو من صميم عملها وأهدافها ، وبعد أن انصب جل اهتمامها بالأمور الشكلية أو الدعائية غير المنتجة .
وإن كانت ليست شركات ومؤسسات القطاع الخاص هي المتضرر الوحيد إذا امتدت بعض الإجازات لأكثر من أسبوع لأن المجتمع كله قد يضرر .
لذا وجب علينا أن نفكر بموضوعية أكثر حتى نصل إلى نقطة التعادل في معادلة صعبة متعددة الأطراف محورها المجتمع وصاحب العمل والعامل ، حتى نحقق مصلحة الجميع .
والإجابة تدعونا إلى استدعاء السؤال التالي وهو: هل لدينا حقا الرؤية والرغبة والإرادة لدعم وتقوية القطاع الخاص واستقرار الأيد العاملة الوطنية به ؟ .
والجواب لا يخرج عن أن القطاع الخاص قد طالب على مدى حقب طويلة بالمساواة مع الحكومة والقطاع العام في الامتيازات ومنها عدد أيام الإجازات والراحات الأسبوعية .
حتى تستقر الأيد العاملة الوطنية في العمل بدلا من سرعة دورانها وانتقالها من مؤسسة إلى أخري في ظل رغبتها للهجرة من القطاع الخاص بعد أن تكون قد اكتسبت الكثير من المهارات والخبرات ، بحثا عن الوظائف الحكومية .
وكم من المؤتمرات و من الدراسات والبحوث والأقلام والمقالات قد تناولت هذا الشأن للمطالبة بالمساوة ، في الإجازات ،نظرا للمنافع الأخرى التي ترتبط بذلك لجمع شمل الأسرة خاصة إذا كان أحد الزوجين يعمل في الحكومة والآخر في القطاع الخاص أو أنهما في القطاع الخاص وتضارب ذلك مع إجازات المدارس والجامعات ، ولكن هناك البعض الذي يرى أن الأثر السلبي الذي تخلفه الإجازات الطويلة على مصالحها، وعلى العمل والإنتاج كبير، أنها تؤثر على حركة الإنتاج ومعدلاته ، وعلى الخطط المستهدفة كما وكيفا.
لما لذلك من تأثير على التزامات الشركات المرتبطة بعقود تصدير أو استيراد أو بمواعيد تسليم عقارات ومبان أو بضائع وسلع أو منتجات أو خدمات، قد تتضرر من التأخير و من تحمل شروط جزائية أو غرامات كبيرة ، فضلا عن تضرر المستهلكين والمستفيدين من الخدمات أو التسبب في خسائر لأي من قطاعات المجتمع .
والغريب أن يغير البعض مواقفة ، عندما تتبدل المراكز والمواقع، فمن انتقل من صفوف العاملين في القطاع الخاص إلى الحكومة أو تحول إلى رجل أعمال ، أصبح أعلى صوتا ضد إجازات القطاع الخاص ، بالقول إن هناك عمالة وافدة تأخذ أجرا بدون عمل طوال فترة الإجازات ، وتناسى هؤلاء وجود عمالة وطنية يسرى عليها ما يسري على العمالة الوافدة، وأنها لا تعارض هذه الإجازات ،ولذلك فإنه إذا كان هناك حق للعامل في الإجازات ، فهناك حق لصاحب العمل في العمل والإنتاج حتى لا تتعطل مصالحة ، وهناك حق أيضا للمجتمع الذي تتوقف مصالحة أيضا .
بعد أن تصاب معظم المرافق والخدمات بالشلل شبه التام ، مما يمثل أعباء إضافية تثقل كاهل الاقتصاديات وحجم الاستثمارات مع توقف نشاط البورصة ، وإذا كان القانون لا يجبر القطاع الخاص على الإجازات إلا وفقا لظروف العمل، حيث أنه أجاز تعويض العامل الذي يعمل خلال فترة الإجازة ،لأن بعض الأعمال لا تزداد نشاطا وحيوية ودخلا إلا في أيام الإجازات والعطلات ، ومن ثم على صاحب العمل تنسيق ذلك بما يضمن سير العمل.
وكذلك الأمر في المؤسسات الحكومية والقطاع العام بما لا يعطل الخدمات أو الإنتاج ، أو نغلق الأسواق ،وحتى لا تكون الإجازة معوقا للعمل والإنتاج .
كما يحدث في الموانئ والمطارات والمراكز الحدودية ومراكز الشرطة والمخابز والسوبر ماركت ووسائل النقل العام ومحطات البترول ،والإذاعة والتليفزيون والصحافة، التي تستمر في العمل حتي في أسوأ الظروف، وهي من الأمثلة الناجحة على استمرار العمل خلال فترة الإجازات.
ومن المهم أن نحافظ على استمرار العمل خلال الإجازات بنفس المعدلات اليومية خاصة في المؤسسات التي لها علاقة بالإنتاج والتي تقدم الخدمات اليومية الضرورية للمواطنين في البنوك والصحة و الطيران وغيرها من الخدمات التي يحتاجها المواطن .
ومن هنا نجد أن الإشكالية تكمن في مطالبة البعض بحرمان القطاع الخاص من الإجازات التي تقرر للقطاع العام والوزارات والمؤسسات الحكومية، بدون وعى أو إدراك بأن ذلك يتناقض مع الرغبة والدعوة إلى تحفيز و تطوير القطاع الخاص واستقراره ونجاحه ، من خلال تحقيق المساواة في بعض المميزات التي يتمتع بها القطاع العام لأن القطاع الخاص الناجح هو عصب التنمية والتقدم .
لأن صاحب العمل الحريص على مصنعه أو شركته أو مؤسسته يفعل ذلك بدون أن يصرخ أو يولول ، وقد شاهدت موقفا إيجابيا من أحد رجال الأعمال – هو في ذات الوقت مسؤول بالقطاع الخاص – وهو يعمل بنفسه ومعه أحد ابنائه أثناء الإجازة لإنجاز أعماله ،بعد أن حصلت العمالة الوافدة الإجازة المستحقة .
———————————
*mohmeedosman@yahoo.co