القرصنة الإلكترونية على البنوك ..ودعم كورونا
محمد محمود عثمان
تعد الجرائم السيبرانية من أكثر عمليات التزوير أو الجرائم الاقتصادية تعقيدا وإثارةً للاضطراب والمخاوف في العالم ولا سيما أنها ستلاقي دعما مؤكدا من تأثيرات وباء كورونا الكارثية ،على العمل والعمال والاقتصاد والتماسك المجتمعي ككل ، خاصة مع زيادة البطالة وتسريح أعداد كبيرة من العاملين في القطاع الخاص ،وتوقف وتعثر شركات ومؤسسات صغير وكبيرة ،وتحول بعض من أصحاب المهن الموقوفة أن لم يكن معظمهم إلى مجرمين بحكم احترازات كورونا ، وشبح الكساد الذي يخيم على الجميع ،وتحفظ الحكومات في عمليات الانفاق ، في ظل تراجع أسعار النفط المصدر الأساسي للدخل في معظم الدول المصدرة ،وما نتج عنه من نقص الموارد المالية الذي قد يستمر لأمد غير محدد حتى بعد التخلص من كورونا الوباء، إلا أن التسونامي سترتد اثارة المدمرة للاقتصاديات الهشة أولا ،
لأن الأسوأ لم يأت بعد ، وعلينا أن نستعد للمواجهة لأنواع جديدة من الجرائم الألكترونية والقرصنة التي تستهدف الحسابات البنكية وأصحاب المال ، التي ستظهر بشكل أكبر مع إنهاء إغلاق المطارات وفتح الحدود ، حيث سوف
تزايد عمليات النصب والاحتيال وغسل الأموال ، والقرصنة البنكية الممنهجة والعابرة للحدود
باعتبار أن الجرائم الإلكترونية تتطور بشكل أسرع من تطور التكنولوجيا والتقنيات الحديثة ، ولا تستطيع النظم البنكية القائمة مجاراتها في ذلك بسرعة أو بسهولة، نظرا للتكاليف الباهظة والوقت والجهد المطلوب في عمليات التجديد أو الإحلال ، لذلك تعد من أخطر التهديدات التي تواجه معظم دول العالم الآن ، وقد أشرنا في عدة مقالات سابقة إلى ضروة التوعية الألكترونية ،لدى العاملين والمتعاملين لأنها خط الصد والدفاع الأول للحماية ، مع الاهتمام بابتكار أساليب حديثة للكشف المبكر للجرائم والمواجهة والحماية اللازمة بسرعة التصدي ،للتطور الجرمي التكنولوجي غير المسبوق ،
ولعل البيان الذي أصدره البنك المركزي العماني بإيقاف خدمة بوابة الدفع الإلكترونية (عمان نت ( OmanNet باستخدام بطاقات الخصم المباشر، بعد أن رصد محاولة دخول غير آمنة للبوابة، يعد بمثابة الإنذار المبكر للجميع ، لأخذ الحيطة والحذر من عمليات أكبر لا يحمد عقباها على المنظومة البنكية ككل ،
من هنا فهناك مسؤوليات جديدة على البنوك وعلى رأسها البنوك المركزية لإنشاء
فريق دعم فني على قدر من المهنية والمسؤولية لمراجعة النظم البنكية وصيانتها ودعمها لاستخدام تقنيات متقدمة يصعب اختراقها بسهولة لأن
قراصنة المعلوماتية يعمدون إلى إبتكار أساليب جديدة تعتمد على الغش والتزوير والاحتيال، و الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات، لذلك تسبق دائما الاحتياطات والإجراءات الأمنية المتبعة أو التقليدية ،
وكذلك تحديث التشريعات لمواكبة أساليب الجريمة المستحدثة ، وعدم إهمال تتبع القضايا الصغيرة في عمليات الاحتيال والقرصنة البنكية لتتبع خيوطها ، لأن معظم النار من مستصغر الشرر، فقد تكون نوايا لخلايا إجرامية تكنولوجية ، تعمل من وراء حجاب ، ووتخطط لزرع هذه الخلايا ونشرها في الأماكن والمناطق المختلفة ، بعد تدريبها على الجريمة المنظمة ، حتى ولو كانت في عمليات بسيطة حتى لا تلفت النظر اليها ويتم مطاردتها ، لأن المخططات الحديثة ستعمتد على الهجمات الإلكترونية واستغلال انتشار استخدام العملات الرقمية الجديدة وعلى رأسها “بيتكوين” حيث يتم تداول هذه العملات بدون وسيط أو رقيب أو معلومات تفصح عن هوية المتعاملين وشخصيتهم
وكذلك على البنوك أن تضع من الضوابط والإجراءات ما يمكنها من حماية نظمها البنكية من الاختراق أو حدوث الثغرات، وزيادة التحوط والحذرللتأكد من
كفاية الضوابط وكفاءة العمليات المالية والمصرفية ، وعمل الاختبارات الدورية لقياس مدى قوة الاجراءات الأمنية المتبعة لتأمين التطبيقات الحديثة ، ومواجهة
نقاط الضعف إذا وجدت ، لأن الذي يميز بنكا عن آخر ، ويدعم الثقة في أدائه ليس فقط مستوى الخدمات المقدمة للعملاء ، بل القدرة على حماية أموال العملاء ومدى تمتعها بدرجة عالية من الأمن والسرية ، ولاسيما أن دول العالم سوف تعاني كثيرا في المرحلة القادمة ، بقدر المعاناة من التأثيرات السلبية لوباء كورونا ، وتأثر دخل الأفراد خاصة الذين فقدوا وظائفهم ورواتبهم، ومن ثم ارتفاع مستويات الفقر بدرجات متفاوته ، مع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية ،
الأمر الذي يوجد أنواعا جديدة من الجرائم التي سوف تستهدف قطاعات البنوك باعتبارها مخزن النقود الدائم ، مع تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية
ولا شك أن التأثيرات السلبية لذلك تؤثرعلى المصارف وعلى أسواق المال والتجارة ، وعلى الاستثمار والمستثمرين وعلى المناخ الاقتصادي بوجه عام،
وهو ما يفرض تحديات جديدة تتطلب إنشاء أنظمة إنذار طارئة وآليات وإجراءات صارمة وحاسمة وأكثر ذكاء من الأجهزة والمخترعات الذكية.