العاشر من رمضان ..وعيد الغفران
بقلم :
محمد محمود عثمان
لاشك أن التاريخ يذكرنا بأحداث هامة في مسيرة العرب في الزمن القريب ومنها يوم العاشر من رمضان – منذ أكثر من خمسين عاما – وهو يوم ذكرى غزوة بدر الكبرى وعيد الغفران أهم الأعياد الدينية اليهودية في إسرائيل وهو ذكري عبور القوات المصرية المدعومة عربيا لخط بارليف أقوى خطوط الدفاع العسكرية المحصنة في تاريخ الحروب الحديثة التي قالت عنه إسرائيل أنه يحتاج إلى قنبلة ذرية لتدميره ، وحقيقة كنت أشعر وزملائي باليأس والإحباط عندما نشاهد أنابيب النابالم التي غطت الجانب الشرقي من قناة السويس والساتر الترابي الأضخم في العالم ومن فوقه المجندات الإسرائيليات والإشارات والحركات المستفزة الوقحة التي تسخر منا ، وكنا نشاهدها عن قرب ونحن في الشاطئ الغربي لقناة السويس، و لاحول لنا ولا قوة.
ويأني تدمير قطاع غزة وفرص الحصار عليه وتجويع الفلسطينيين ، مع هذه الذكرى العظيمة التي كنت أحد المشاركين فيها أثناء أداء فترة التجنيد في القوات المسلحة المصرية بعد هزيمة 1967 .
ضمن أول دفعة من المؤهلات العليا التي تم تجنيدها إجباريا استعدادا لحرب التحرير التي كانت تستعد لها القوات المسلحة المصرية بأسلحة متطورة ومتقدمة وحديثة ، برغم المعاناة الاقتصادية والنفسية التي كان يعيشها المصريون في أعقاب هزيمة 1967 بعد أن وجهت مصر كل إمكانياتها ومواردها العسكرية والبشرية لدعم الجنود على جبهة القناة ، ورفعت شعار ” لا صوت يعلو فوق صوت المعركة “التي توقفت معه كل القطاعات التنموية والصناعية في مصر طوال سنوات حرب الاستنزاف، التي استنزفت الأرواح والمعدات والتي صاحبها انهيار كل البنية الأساسية في التعليم والصحة والمواصلات والاتصالات ،
وكذلك تهجير سكان مدن القناة من بورسعيد والاسماعيلية والسويس وتوقف كل أنشطة الحياة في هذه المدن وتعرض أهلها للتشريد في قرى ومدن ومصر بلا موارد للحياة وبلا مسكن أو مأوي سوى المدارس التي لا تتوافر بها أدني مقومات الحياة ، وتعرضهم لغارات الطائرات الإسرائيلية المتكررة على معظم مناطق مصر لعدم القدرة في ذاك الوقت على التصدي لهذه الطائرات المغيرة التي استهدفت بعنف حتى مدارس الأطفال في معركة بحرالبقر المشهورة
وللأسف هذا هو المشهد الذي نراه مُصغرا وجليا في قطاع غزة الآن وعمليات التهجير القسري للسكان بعد تدمير البنية الأساسية والمرافق الخدمية التعليمية والصحية والحصار الاقتصادي المفروض على القطاع في ظل الصمت الدولي والعربي والإسلامي المهين.
ولكن كانت أهم الدروس التي ميزت حرب العاشر من رمضان هو نجاح الإرادة العربية في استخدام سلاح النفط للمرة الأولى وربما الأخيرة حتى الآن
وكذلك نجاح الإعلام في تنفيذ خطة الخداع الاستراتيجي ونشر أخبار عن رحلات عمرة لضباط الجيش وأسرهم وكذلك تسريح جنود الاحتياط في الخامس من أكتوبر قبل بداية الهجوم المصري بساعات قليلة والتركيز على وصول هذه الأنباء لسفارات الدول الكبرى والسفارات الإسرائيلية في أوروبا وخاصة لندن وباريس.
وأيضا صمود الحكومة والشعب المصري في تحمل تبعات الحرب وهي المثقلة بتكاليف الاستعداد للمعركة وشراء الأسلحة والذخائر وعمليات التدريب للجنود التي تواصلت ليل نهار تحت قصف المدافع وغارات الطائرات المعادية التي استباحت الأجواء المصرية وهددت حتى بقصف السد العالي.
بعد أن تحولت كل الميزانية للمجهود الحربي ، فكانت سنوات عُجاف قاسية على الشعب المصري بعد أن أغلقت قناة السويس منذ الخامس من يونيو 1967 وحتى افتتحها الرئيس السادات بعد الانتصار في ملحمة حرب أكتوبر1973التي سطرت بحروف من نور بسالة الجندي المصري والعربي والجانب السوري ،وتفوق الجيش المصري في أول انتصار عربي على إسرائيل ، والتحول من حالة اليأس والإحباط إلى حالة الفخر والانتصارات حيث تفوقت سياسة الرئيس السادات وإدارته للحرب في سرية ودهاء من خلال خطة الخداع الاستراتيجي التي خدعت أجهزة مخابرات كل الدول الكبرى ،وكما فعلت حماس في السابع من أكتوبر الماضي عند هجومها على إسرائيل في الأحداث الأخيرة
=================
Mohmeedosman @yahoo.com