الدخل الفردي … معيار لقياس عدالة توزيع الدخل القومي
د. محمد رياض حمزة
يقاس المستوى المعيشي للمجتمعات بحصة الدخل الفردي من جملة الدخل
القومي للدولة، أي بقسمة الدخل القومي مقيّما بالعملة على جملة السكان في المجتمع.
ذلك هو الشائع في الحسابات القومية. ويعتبر ذلك القياس مُضللاً ولا يعبر عن واقع المستوى
المعيشي لأفراد المجتمع كافة. فيتفاوت الدخل الفردي من شخص لآخر حسب وظيفته أو نشاطه الإنتاجي أو انتمائه الأسري أو طبيعة عمله.
إذ يوجد فقراء في مجتمعات عرفت بالرفاهية والغنى، كما يمكن أن نجد أفرادا ميسورين
وعوائل مرفهة في مجتمعات فقيرة. ذلك الواقع الطبقي موجود في معظم دول العالم.
ومع ذلك يعتبر متوسط الدخل الفردي مؤشرا مقبولا لتقييم مستوى معيشة الفرد في
الدولة إن تم حسابه تدرجاً لكل فئة من فئات المجتمع عددا. على أن يؤخذ بنظر الاعتبار
انحراف مستويات الدخول لفئات القوى العاملة بإعتبارها الطبقة الأكبر عددا عن متوسط
الدخل الفردي. كما أن المقارنات بين الدخل الفردي وبين تكاليف المعيشة والتي
تجريها الجهات الحكومية المختصة يمكن أن تسهم في تطوير التشريعات الخاصة بتحديد
الحد الأدنى من الأجر. وإنصاف القوى العاملة بالدخل المكافئ لقوة العمل المنتج.
وعند استعراض برامج الحكومات في معظم
دول العالم نجد أنها حريصة على زيادة حصة الدخل الفردي من الدخل القومي، أو إيجاد
أفضل السبل للاقتراب من عدالة توزيع الدخل القومي. وذلك هدف نسبي وصعب التطبيق في
دول العالم كافة، فالدخل الفردي عرضة للتآكل مقيما بالعملة (الراتب أو الأجر
النقدي المباشر للاعمال المؤقتة )، كما أن الدخل الفردي او الاسري يعتبر الطرف الأضعف في معادلة (متطلبات الانفاق الفردي
أو الأسري) من جهة و(تكاليف المعيشة) من الطرف الآخر. ويتعرض لعدد من المتغيرات
المؤثرة في قدرته على الإيفاء بالإنفاق على متطلبات المعيشة وهي:
ــــ التضخم (ارتفاع أسعار السلع والخدمات): إذ تتعرض القوة الشرائية للدخل الفردي
للتآكل عند حدوث ظاهرة التضخم التي تعتبر ظاهرة ملازمة للاقتصاد في أوقات النمو
وفي الأزمات، كما أن ارتفاع الأسعار أمر واقع مع تقادم الزمن.
ــــ ضعف النظام النقدي أو انهياره: فالأجور والرواتب المقيمة بالعملة عرضة للتآكل
بسبب ضعف القوة الشرائية للعملة أو انهيارها في حالات الأزمات والحروب. وبذلك يكون
الدخل الفردي من ضحايا الأزمات المالية وتداعي النظم النقدية.
ــــ تضاؤل القدرة الشرائية للدخل
الفردي المحدود المعيل لأسرة. فكلما زاد
عدد أفراد الأسرة واتسعت حاجاتها الضرورية، فالدخل الفردي المحدود يمكن أن يزداد سنويا ولكن بنسبة ضئيلة تقل عن
تسب التضخم المتمثل بإرتفاع الإنفاق على متطلبات المعيشة من سنة لأخرى.
وعند تقييم عدالة توزيع الدخل القومي في
معظم دول العالم فيندر وجود العدالة المطلقة في توزيع
للدخل القومي على أفراد المجتمع. على اعتبار أن ذلك الأمر تحكمه طبيعة
النظام السياسي واستقراره للدول . فالدخل
الفردي سواء في النظم الرأسمالية أو الاشتراكية أو المختلطة معرّض للتآكل للأسباب
المذكورة ذاتها مع التفاوت في مدى وضع الدولة الاقتصادي قوة أو ضعفا، كما تعتبرالنظم
الضريبية و نظم الضمان الاجتماعي من العوامل المؤثرة في قوة أو ضعف الدخل الفردي.
أما تكاليف المعيشة في المجتمعات فإنها ترتفع أو تنخفض بتأثير عدد من العوامل:
*الاستقرار السياسي وأهلية الحكومات
في تطبيق نظم عادلة في توزيع الدخل القومي، والحد من نسبة البطالة في المجتمع،
وذلك من شأنه أن يجعل تكاليف المعيشة قريبة من متوسط الدخل الفردي.
* حجم الدخل القومي المتنامي المضمون يتيح استقرارا لتكاليف المعيشة وأقل عرضة
للتضخم، فكلما كانت الواردات المالية للدولة
مستدامة النمو و شمل توزيعها معظم فئات
المجتمع على اسس العدالة يتحقق الإستقرار في تكاليف المعيشة.
* حجم الناتج المحلي الإجمالي وشمول فئات المجتمع في تكوينه، فكلما كبر وشاركت في
تكوينه أوسع الفئات الاجتماعية وأنشطتها الإنتاجية والخدمية ضمن استقرارا لتكاليف
المعيشة.
* إختلاف تكاليف المعيشة حسب التوزيع
الجغرافي، فتكاليف المعيشة في المدن أعلى منها في الأرياف، والمدن الكبيرة أعلى
تكلفة من المدن الصغيرة.
* إرتفاع تكاليف المعيشة في الدول ذات الكثافة السكانية العالية، وفي المدن ذات
الأعمال والأنشطة الاقتصادية الكثيفة.
وترتفع تكاليف المعيشة لتلك الأسباب التي ذكرت في الدخل الفردي كالتضخم وقوة أو
ضعف العملة. ويمكن اعتبار التشغيل الكامل للقوى العاملة وعدالة نظم الأجور التي
تحدد بالتوازي مع تكاليف المعيشة، من الأهداف التي تسعى الحكومات لتحقيقها
لمجتمعاتها.
في ظروف عدم الاستقرار السياسي تسعى الإدارة المالية في الحكومات ( وزارة المالية
والبنك المركزي) وضع معايير واقعية لمستويات الاجور وتعمل على الحد من ضخ سيولة نقدية إضافية في الأسواق . فتضخيم
الرواتب أو التوسع في الإنفاق العام يتسبب بموجة
تضخمية. حيث يرفع المنتجون وإدارات منافذ التسويق أسعار السلع والخدمات بحجة
ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج ( بما فيها الأجور) للحفاظ على نسبة الربح المحددة أو
حتى المبالغة فيها. لذا يتطلب الامر السيطرة على مستوى الأسعار وإلاّ سيبتلع
التضخم أية زيادة في الأجور ولعل ذوي الدخل الضعيف هم الأكثر تأثرا بالتضخم .فعدالة توزيع
الدخل القومي تتطلب الحد من تفاوت مستويات الرواتب والاجور بين فئات المجتمع.
وتلخص موسوعة جامعة “ستانفورد للفلسفة ـــ الأمريكية”الإنتماء المنهجي لعدالة توزيع الدخل القومي بما يلي: ” غالبًا ما تعتبر مسألة عدالة توزيع الدخل القومي لا تنتمي إلى الفكر الاقتصادي . ولكن يوجد في النظرية الاقتصادية معالجة للقضايا المعيارية في العدالة الاجتماعية والاقتصادية . وهناك عدد من النظريات والنُهج الاقتصادية التي تتضمن العديد من الأفكار حول العلاقة بين الدخول وعدالة توزيع الدخل القومي . بما في نظرية عدم المساواة وقياس الفقر ، واقتصاديات الرعاية الاجتماعية ، ونظرية الاختيار الاجتماعي ، ونظرية المفاوضة ونظم التعاونيات ، ونظرية التخصيص العادل. وهناك قدر كبير من التداخل بين هذه الفروع المختلفة للاقتصاد المعياري والنظريات الفلسفية للعدالة.