التعافي الاقتصادي .. وإشكالية القوى العاملة
محمد محمود عثمان
لاشك أننا نسعى إلى مرحلة التعافي فيما بعد كورونا ، الذي ألقي بظلالهاالكئيبة عللى أسواق العمل والاقتصاد وعلى التركيبة السكانية في بعض الدول بعد أن فقد الآلاف وظائفهم وفقدتهم أيضا شركاتهم التي تخسر كفاءات ومهارات صاحبتها خبرات متراكمة في الأسواق المحلية وفي سوق العمل ،إلى جانب الآلاف الذين فقدتهم بعض الدول موتا ،فكل ذلك يؤثر على العناصر الفاعلة في التنمية المستهدفة في مرحلة ما بعد كورونا لتعويض الخسائر والأضرار التي لحقت بهذه المجتمعات سواء العربية أو ألأوروبية ،لأن تحديات هذه المرحلة خطيرة وتداعياتها مدمرة للاقتصاديات الضعيفة وحتى المتوسطة ، وهذه التحديات تفرض على الإدارات الرشيدة إتخاذ عدة قرارات سريعة ومدروسة في الوقت ذاته ،ضمانا للحفاظ على كياناتها واقتصادياتها ، بتنفيد مشروعات استثمارية جديدة ، وضخ سيولة كافية تعيد الحياة للأنشطة الاقتصادية من جديد , لأن عدم الإنفاق يقودنا إلى الإخفاق ،
وحتى لا نترك السفينة تغرق ونغرق معها ، إذا فشلنا في تعويمها في الوقت المناسب قبل أن تهوي إلى الأعماق ، ولا يتأتى ذلك بالأماني أو الرجاء ،لأنه طبقا لما أعلنه صندوق النقد الدولي بأن الاقتصاد العالمي قد يخسر 9 تريليونات دولار خلال عامين بسبب كورونا. ، فالاشكالية الأكبر تكمن في التأثيرات السلبية القادمة ، وكيفية التعامل في المنشآت الاقتصادية الكبيرة والصغيرة والمتوسطة لمواجهة ذلك، مع ارتفاع بعض الأصوات التي تطالب بلا وعي أو تخطيط مستقبلي “بتصفير” الأيد العاملة الأجنبية في البلاد العربية والأوربية متأثرة بسلبيات كورونا ،ظنا أن ذلك في صالح الاقتصاد أو خروجا من المأزق ، وإن كنت مع التخلص من الأيد العاملة الهامشية أو غير المنتجة أو التي لا يحتاجها سوق العمل في أي مجتمع ، لأن محاولة التعافي من كورونا ليست بالسهلة وتحتاج إلى الوقت الجهد ، ولا وقت هناك للبحث عن عمال جدد يفتقرون للخبرة والمهارة والدراية ببيئة العمل واحتياجاته الفعلية ،في كل المهن والوظائف الدنيا والعليا والمتخصصة ، حتى نعبر هذه الأزمة باقل الخسائر،واعتبار التفريط في هذه النوعيات من مختلف الفئات خطأ فادحا ،لا يمكن أن يغتفرفي حق الأوطان التي تحتاج إلى كل الخبرات الأجنبية الأن وفي أكثر من أي وقت مضى ، على خلاف دعاة التصفير، من أصحاب النظرة القاصرة إلى أبعد الحدود ،التي ينطبق عليها المثل المصري الذي يقول ” الدبة التي قتلت صاحبها وهي تحاول أن تحميه ” ، لأنها قرارات في ظاهرها مصلحة الوطن ، ولكن في جوهرها غير ذلك تماما على المديين القصير والبعيد ، لأنه لا توجد دولة في العالم حتى الأكثر تقدما أو كثافة في السكان تستطيع أن تستغي على خبرات الآخرين كليا ، خاصة في الدول التي تعاني من نقص مخرجات التعليم التخصصي والفني ، حتى أن الدول الغنية والمتقدمة تتعامل بمفهوم اقتصادي إذ تفضل دائما أن تحصل على احتياجاتها من بعض التخصصات من الدول الفقيرةأو النامية، التي أنفقت عليهم الكثير من ميزانياتها خلال مراحل تعليهم المختلفة ، ويصبح من العبث التفريط بسهولة في ألأيد العاملة الأجنبية أو الوطنية المنتجة والمؤهلة التي تحقق القيمة المضافة ، ولابد من الاحتفاظ باحتياجاتنا المستقبلية من هذه المهارات ، بدلا من محاولة استجلاب عناصر جديدة تفتقر للخبرة التي تؤهلها لممارسة عملها بدقة ومهارة ،أو تكون قادرة على الاسهام في زيادة الإنتاج وسرعة دوران عجلة الاقتصاد بكفاءة ومهنية ، بخلاف تكلفتها المادية الباهظة ، وقد استوعبت ذلك الشركات الكبرى في الدول الأوروبية المتقدمة وعلى راسها ألمانيا التي أعلنت عن عدم استغنائها عي العمالة الماهرة باعتبارها ستكون الأقل تكلفة والأكثر فائدة وعائدا بعد إلغاء الاجراءات الاحترازية لكورونا ،
وبدء عجلة الإنتاج في الدوران لتعويض الخسائر في وقت أسرع ،وفي إطار استراتيجية شاملة للتعافي ،وهو تفكير اقتصادي صائب ،لأن الشركات سوف تعمل من خلال الكفاءات التي لديها والتي ساهمت في تدريبها وتأهيلها بدون أن تتحمل نفقات إضافية لاستجلاب تخصصات أو عمال يحتاجون للخبرة والوقت للانخراط في العمل من جديد ، لأن ذلك يزيد من نفقات التشغيل ولا يسهم في تحقيق الأرباح المستهدفة ، ولاسيما مع وجود حقيقة قاسية وخطيرة في الوقت ذاته ، وهى أن العمالة المهاجرة تساهم بشكل أساسي في بناء الدول المضيفة وتحقيق ازدهارها، و تشكل عصب الحياة لقطاعات عديدة في الإنتاج والاستهلاك والخدمات ،وسوف لا ندرك هذه السلبيات إلا بعد فوات الأوان ، وهنا تقع المسؤولية على عاتق أصحاب و صناع القرار، إذا لم يتم مراعاة مصلحة الأوطان ، والبدء من الآن بتنفيذ استراتيجية شاملة للتعافي ، في ظل التعايش مع كورونا الذي لا ندري متى نهايته تحديدا ،ووضع خريطة للاستثمارات الجديدة مصحوبة بدراسات جدوى اقتصادية ، مع تحفيز البنوك لتقديم التمويل ، وفتج مجالات وقنوات جديدة لاستيعاب المدخرات المحلية ، وجذب الأموال الهاربة والاستثمارات الأجنبية ، التي تبحث عن ملاذ آمن ، وذلك لتوفير مصادر التمويل المتاحة وتقديم التسهيلات الممكنة ، التي تحقق التوازن والثقة في السوق، وبغير ذلك فإن الكارثة الأكبر أن ينهار الاقتصاد ونحن في موقف المتفرجين أو المنظرين ،فلا نجد استثمارات ولا أسواق مال ولا سياحة ولا إنتاج ولا خدمات ولا وظائف ولا عائدات النفط ، وتعجز البنوك عن الوفاء بالتزماتها أو تقديم خدماتها للمستثمرين والأفراد ، وتتوقف الحياة بعجز المصانع والآلات عن العمل والدوران .