الاقتصاد .. والمظاهرات ضد كورونا
محمد محمود عثمان
تباينت الآراء بين تخفيف القيود التي فرضتها الدول كإجراءات احترازية لمواجهة وباء كورونا أو استمراها ، في ظل صعود وهبوط منحنى الإصابات والوفيات على مستوى العالم ، لذلك فأصحاب القرار بين المطرقة والسندان فهم أمام معادلة صعبة متعددة الأطراف ، مع فشل البعض في الاستثمار في البشر والتعليم والصحة ، إذ كيف يواجهون كورونا وفي ذات الوقت يحافظون على الأرواح ،مع التحرر من القيود الاحترازية ومواجهة المظاهرات التي اندلعت في بعض العواصم لإلغاء أو للتخفيف من الإجراءات التي قيدت كل المناشط الاقتصادية والتجارية والاجتماعية في العالم أجمع ؟ وتحذير صندوق النقد الدولي من أسوأ تراجع اقتصادي على مستوى العالم منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، لأن الأزمة الحالية تعد أحد أصعب الأزمات التي يمر بها الاقتصاد العالمي،
ولذلك لإنعاش الاقتصاد الذي تضرر بشدة قررت إيطاليا اكبر المتضررين في أوروبا من هذا الوباء ، تخفيف القيود المفروضة التي شملت الإغلاق التام،اعتبارا من الرابع من مايوالجاري ، وسوف تسمح بحرية السفر في أنحاء البلاد بدءا من الثالث من يونيو المقبل ،ومن المقرر أن تعيد فتح المتاحف ومحال البيع بالتجزئة للسلع غير الغذائية، مع مطالبة الإيطاليين بالحيطة، محذرة من موجة جدية للمرض ،
وفي ألمانيا وبينما تتزايد أعداد الإصابات تم فتح بعض المحال التجارية والعودة التدريجية للمدارس،والإعلان عن عودة مباريات كرة القدم اعتبارا من الشهر القادم ،ومع ذلك خرج الآلاف من الألمان للشوارع لمطالبة برفع جميع القيود،والعودة للحياة الطبيعية بالكامل، حتى في إمريكا نزل آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في عدد من الولايات للمطالبة بإنهاء الإغلاق والعودة للعمل من جديد،والغريب أن الرئيس الاميركي دونالد ترمب أيد ذلك وطالب بالتحرير من الحجر والتباعد الاجتماعي، كما خرجت في البرازيل مظاهرات احتجاجا على إغلاق المدن بسبب وباء كورونا، ومطالبين بإعادة “النشاط” للبرازيل ،وانضم إليهم الرئيس البرازيلي جايير بولسونار ودعا إلى تحدي إجراءات الغلق التي اتبعتها عدة ولايات ،كما أقال وزير الصحة لحثه المواطنين على التزام منازلهم ، وقال :إن خطط الأقاليم تركز على منع انتشار فيروس كورونا من خلال التباعد الاجتماعي واستعمال معدات الوقاية من المرض في أماكن العمل
واصبح العالم في حيرة شديدة بين التفاؤل والتشاؤم ، بين رفع القيود وإجراءات العزل ، وبين تأجيل ذلك تحسبا من موجة ثانية من انتشار الفيروس ،والمخاوف الآن من تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا بأن الاقتصاد العالمي دخل مرحلة الركود بالفعل، مع انخفاض معدل نمو التجارة العالمية إلى 1.2% بنهايةعام 2019 ، وتشاؤم مدير منظمة التجارة العالمية روبيرتو من مستوى الأداء الاقتصادي في عام 2020، بعد أن عصفت أزمة كورونا بالاقتصاد العالمي، وتوقعاته بخسائر تفوق خسائر عام 2008، وكذلك تراجع الصادرات العالمية في فبراير الماضي بنحو 48 مليار دولار، بسبب وقف إمدادات الصناعة الصينية للخارج ، وتوقعات بحدوث انكماش حاد لاقتصادات الدول الكبرى بسبب توقف الأنشطة الاقتصادية ، لذلك هناك سيناريوهات مختلفة يعيشها العالم حول مدى قدرة الدول على السيطرة على الوباء، والانتقال إلى الأداء الطبيعي للنشاط الاقتصادي، في ظل وقف أنشطة السفر والتنقل وإغلاق مطارات العالم و تأثيرها على حركة التجارة العالمية ،وعلى الاحتياجات الغذائية للدول المستوردة ، ومخاطر نقص الغذاء ، بعد تخوف أو تحفظ الدول المصدرة على منتجاتها ومنع تصدير بعض السلع والمنتجات التي تحتاجها في السوق المحلي ، مما يجعل المستقبل قاتما لوضع الغذاء في العالم
فقدأعلنت فيتنام -ثالث أكبر مصدر للأرزفي العالم – عن عزمها اتخاذ خطوات للحد من صادراتها من الأرز، كما قررت مصر من أواخرشهر مارس الماضي وقف تصدير جميع البقوليات لمدة ثلاثة أشهر،
واتخذت كزاخستان -تاسع أكبر مصدر للقمح- إجراءات للحد من صادراتها من القمح،
وإذا ما تصاعدت هذه الموجة من القرارات، خاصة فيما يتعلق بالسلع الغذائية، فإن كل ما نخشاه هو الوضع في المنطقة العربية التي ستكون من أكثر المناطق تضررا، لاعتمادها على استيراد الغذاء ، خاصة أن الفجوة الغذائية في العالم العربي بلغت نحو 35 مليار دولار، طبقا لمؤشرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2019
وسيكون الأمر أكثر سوءا في الدول غير النفطية التي تحتاج إلى موارد مالية كافية لتغطية تكاليف الإستيراد ،أو اللجوء للاقتراض من أجل توفير الغذاء، ولا يتختلف الأمر كثيرا في الدول النفطية بعد توقف صادرات النفط وانخفاض الطلب العالمي واستنفاذ جزء كبير من صناديق الاحتياطي ،بالإضافة إلى إيقاف العديد من الصناعات في كثير من الدول حيث تعذر نقل مستلزمات الإنتاج أو قطع الغيار، مما يربك حركة العمل والتصنيع، الذي يعتمد على سلاسل الإنتاج، ثم فرض كثير من الدول الحماية لصناعتها المحلية من خلال العوائق الجمركية،بما يتناقض مع اتفاقيات منظمة التجارة التجارة العالمية،
ويظل الطرف الآخر في المعادلة وهوهل من الصواب خروج الآلاف في مظاهرات للاحتجاج على الإغلاقات التي تفرضها الحكومات ؟ في ظل المخاوف من خطر احتمالات العودة القوية لتفشي المرض ،مع عدم الالتزام الدقيق بقواعد الوقاية والتباعد الاجتماعي ، وهل تسجيب الحكومات بتخفيف قيود الإغلاق ، مع عدم توافر سبل الوقاية الضرورية في أماكن العمل في الحكومة والقطاع الخاص ، مع عدم وجود وسائل وتشريعات رادعة وسريعة للمخالفين؟