أراء ورؤى

الاستقرار السياسي وقوة الاقتصاد .. محفزا الاستثمار الأجنبي المباشر

دكتور محمد رياض حمزة

  •          يقصد بالاستثمار الأجنبي المباشر (Foreign Direct Investment) (FDI) ذلك النوع من الاستثمار الذي يقوم مستثمر مستقر في البلد الأم بامتلاك أصل أو موجود في البلد المستقبل، وهذا يعني انتقال رأس المال إلى الدولة المضيفة  ، والذي يختلف عن تدفق رأس المال للتمويل والإقراض، أو ما يسمى بالاستثمار في حوافظ الأوراق المالية (غير مباشر) (FPI) (Foreign Portfolio Investment)، حيث يشير إلى قيام مستثمر مستقر في البلد الأم بشراء أسهم وسندات صادرة في البلد المستقبل، دون أن يرافق ذلك قيام المستثمر بإدارة الأصول التي امتلك أسهما فيها   يختلف إذا الاستثمار الأجنبي المباشر عن الاستثمار في الأوراق المالية في أن الأول ينطوي على تملك المستثمر الأجنبي لجزء من الاستثمارات في المشروع المعين أو كلها، هذا فضلا عن قيامه بالمشاركة في إدارة المشروع مع المستثمر الوطني في حالة الاستثمار المشترك، أو انه يفرض سيطرته التامة على الإدارة والتنظيم في حالة ملكيته المطلقة لمشروع الاستثمار، بالإضافة إلى قيام المستثمر الأجنبي بتحويل كمية من الموارد المالية والتكنولوجية والخبرة الفنية في المجالات المختلفة إلى البلدان المضيفة. في حين ينطوي النوع الثاني من الاستثمار على تملك الأفراد والأشخاص المعنويين بعض الأوراق المالية دون ممارسة أي نوع من الرقابة أو المشاركة في تنظيم المشروع الاستثماري وإدارته، كما يعد الاستثمار في الأوراق المالية عموما استثمارا قصير الأجل بالقياس إلى الاستثمار الأجنبي  *عندما نستعرض ما سُمي ب ” المعجزات الاقتصادية ” السنغافورية والماليزية وأخيرا وليس آخرا الصينية والهندية ، يتركز الحديث  على  قادة  دول المعجزات .  ويُسهب الكُتّاب والمحللون في تعظيم القادة الذين كانوا  المنفذين للنظم والمشاريع التي نقلت شعوب تلك  الدول منتجة صناعية ومن حالة التخلف والفقر  إلى وضع إنساني متقدم . نعم إن قادة “المعجزات” يستحقون كل الثناء وما مُدحوا به على دورهم في قيادة عملية التحول الاقتصادي والنمو . إلا أن القليل ما كُتب عن نخبة التكنوقراط  من العقول الذين كانوا يعملون مع القادة  فسنوا  القوانين ووضعوا التشريعات التي  فتحت  أبواب  دولهم  وسهلت دخول الاستثمارات الأمريكية و الأوروبية واليابانية . وضمنت رؤوس الأموال المستثمرة وأرباحها بما يفوق ما يمكن أن تحققه في أوطانها    ولعل ما يجب الإحاطة به وتبنيه من أجل إحداث التغيير في الواقع الاقتصادي عدد من الثوابت التي حولت دولا فقير معجزات اقتصادية”     
  •      أولها: وجود تشريعات و قوانين  ضامنة لرؤوس الأموال  المستثمرة مع أرباحها وتيسير تحويلها في إطار  نظم  نقدية مرنة و تسهيلات مصرفية تتمتع بالثقة الائتمانية  .فالمستثمر الأجنبي ، فردا ، شركة ، أو حكومة،  لن يقدم إلى أي بلد أجنبي إلاّ عندما يتأكد له  أن التشريعات والقوانين في البلد المضيف  توفر الحماية  لحقوقه كاملة  . ففي سنغافورة بُدأ استقطاب الشركات العالمية الكبرى لاستثمار أموالها  وكانت أولى هذه الشركات هي “جنرال إلكتريك” الأمريكية, وشركة فيليبس الهولندية, وشركة “باناسونيك ”  اليابانية . ثم توالى  دخول الإستثمارات الأجنبية   والشركات من جميع الجنسيات، فأوجدت قطاعا صناعيا وخدميا ووفرت الآلاف  من فرص العمل . وبين 1980  و  1990  وضعت أسس التطور. وبدخول الألفية الثالثة  تسارع النمو بقيادة الصناعات التحويلية والإبتكار.  لتسجل نموا سنويا بين 13% إلى 15%.  يضاف إلى ما تقدم فإن المستثمر يتطلع إلى يسر التعامل الإداري ، بعيدا عن الروتين المعوق ، للإيفاء بمتطلبات الترخيص للجهات الحكومية . فالدول ذات المعجزات الاقتصادية أنهت الروتين الإداري وسهلت على المستثمر تأسيس مشروعه في إطار القانون.  
  • ثانيا: تكامل البنية الأساسية والخدمات وتوفر مستلزمات عمل الاستثمارات في أي نشاط  إنتاجي أو  خدمي  وأهمها  القوى العاملة التقنية الوطنية و / أو الأجنبية بتكاليف تشغيل منخفضة تُرجّح المزيد من الأرباح للشركات الأجنبية . فسواء في سنغافورة أو ماليزيا أو الصين أو الهند ففيها  تتوفر القوى العاملة بأجور رخيصة تخفض التكاليف التشغيلية على المستثمر،  فتتضاعف اأرباحه. ففي الدول ذات المعجزات الاقتصادية  قوى عاملة بأعداد كبيرة مؤهلة  ومدربة  وبأجور  تقل أضعافا عن أجور القوى العاملة في مناشيء دول الاستثمارات . وفي ذلك ضمان لأرباح إضافية للشركات الأجنبية مصدره توفر الموارد البشرية الرخيصة الأجر. كذلك فإن مكونات البنية الأساسية المنجزة  من أعمال الهندسة المدنية  و الهاتف والإنترنت وكافة الخدمات اللوجستية المساندة  يعتبر توفرها من الممهدات للجذب الاستثماري.  
  •   ثالثا : السوق:  الشركات الأجنبية التي تترك بلدانها وتنقل أموالها لإستثمارها في بلدان أخرى ليست مؤسسات خيرية وليس هدفها تنمية وتطوير البلدان التي نقلت استثماراتها اليها  .  إن هدفها الأول والاخير هو تحقيق أرباح أكبر من الأرباح التي كانت تحققها في بلدانها . فالشركات الأجنبية تُمَهِّدُ لنقل استثماراتها بدراسة واقع البلد من بنية أساسية وموارد بشرية ونظام مصرفي ونسبة المخاطرة … وغيرها وكذلك الأهم السوق المحلي والأسواق الخارجية .  فالسوق المحلي بعدد كبير من السكان وبقوة شرائية  محفزة للطلب أحد أهم العوامل الجاذبة للإستثمارات الأجنبية. وما كانت ستنتقل مئات الآلاف من الشركات الأجنبية بمصانعها إلى الصين والهند إلاّ لأسواقهما الأكبر في العالم . ولم تقتصر الاستثمارات الأجنبية على الصين والهند بل إنا موجودة في معظم دول جنوب شرق آسيا.وإن السوق أهم عوامل الجذب الإستثماري.
  • رابعا : التمويل :  تفتقر العديد من الدول النامية   للموارد المالية لتمويل مشاريعها الإستثمارية  فتعتمد على  رؤوس الأموال الأجنبية لدعم  تنمية اقتصاداتها  وذلك بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة .  وتتنافس البلدان النامية على جلب الاستثمارات الأجنبية من خلال تهيئة المناخ ومنحها للحوافز والضمانات التي تعمل على جلبها. في تقرير للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار صدر عام 2007  أكدت فيه ” إن تعاظم دور الاستثمارات الأجنبية المباشرة على الصعيد العالمي بعد أن أصبحت من أهم مصادر تمويل المشروعات الاستثمارية في الدول النامية منذ النصف الأول من  ثمانينات القرن الماضي”.
    فالاستثمارات الأجنبية المباشرة هي التي يقوم بها أشخاص أو شركات أو مؤسسات حكومية أجنبية  وتعمل على إنشاء مشاريع جديدة أو تطوير القائم منها في دول أخرى . وقد تتقاسم ملكية تلك المشاريع مع الدول المضيفة أو أن تكون ملكية وإدارة المشاريع للمستثمر الأجنبي في أطار نظم رسوم وضرائب يتفق عليها في عقد الإستثمار. أفاد تقرير اقتصادي جديد بانخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي بنسبة 23% خلال العام الماضي، لتصل إلى 1.43 تريليون دولار بعد أن كانت 1.87 تريليون دولار في عام 2016.   وبحسب تقرير الاستثمار العالمي لعام 2018 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، يتناقض هذا التراجع بشكل صارخ مع متغيرات الاقتصاد الكلي الأخرى، التي شهدت تحسنا كبيرا في عام 2017. وقد نجم الانخفاض العالمي إلى حد ما عن انخفاض قدره 22% في قيمة عمليات الاندماج والشراء عبر الحدود. ولكن حتى بعد استبعاد الصفقات الضخمة التي تمت مرة واحدة وإعادة هيكلة الشركات التي أدت إلى تضخيم الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2016، ظل انخفاض عام 2017 كبيرا، وفق التقرير. ويشير التقرير أيضا إلى انخفاض قيمة الاستثمارات الجديدة التي أعلن عنها، وهي مؤشر للاتجاهات المستقبلية، بنسبة 14% لتصل إلى 720 مليار دولار. وبالتالي يصعب التنبؤ بتوقعات عام 2018. ولكن من المتوقع أن تزداد التدفقات العالمية بشكل طفيف، إلّا أنها ستظل أقل بكثير من المتوسط ​​على مدى السنوات العشر الماضية. ومن المرجح أن تؤثر الإصلاحات الضريبية في الولايات المتحدة بشكل كبير على أنماط الاستثمار العالمية. ولاحظ الأونكتاد أن الاتجاه السلبي للاستثمار الأجنبي المباشر يرجع إلى حد كبير إلى انخفاض معدلات العائد، حيث بلغ متوسط ​​العائد العالمي على الاستثمار الأجنبي الآن 6.7%، بانخفاض من 8.1% في عام 2012. وقد شهد العائد على الاستثمار انخفاضا في جميع المناطق، مع أكبر انخفاض في أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.    

 ===============================

* dirwa2000@yahoo.com

  •  
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى