الأوضاع الاقتصادية .. وأجيال المستقبل
محمد محمود عثمان
مع تعدد الأزمات الاقتصادية تغيرت انماط الحياة كثيرا ، ولكن لم نغير من اساليبنا في إعداد أجيال المستقبل وتربيتها لمواجهة تحديات المرحلة ، وتحمل المسؤولية والاعتماد على النفس ، بما يمتلكون من قدرات وخبرات ومهارات عصرية ،يقتحمون بها أسواق العمل ، ولم نعدهم كمنتج بشري قابل للتصدير ، ووسيلة أو آلية لتنويع مصادر الدخل ، ومصدر للعملات الصعبة ،التي يصعب الحصول عليها بسهولة، على الرغم من أن الموارد البشرية تمثل العنصرالأساسي في التنمية ،حتى في ظل تطورالتقنيات والتكنولوجيا الحديثة واستخدامات الذكاء الصناعي ، لأنه لاعمل ولا إنتاج بدون الموارد البشرية المدربة التي تعد عمد المجتمعات وعمودها الفقري ، إلا أن الأجيال الحالية التي ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب وتنعم بحياة الرغد والرفاهية ، أصبحت شبه عاجزة عن خوض غمار الحياة بجدية،وهذه مسؤولية أمام الله ، لأنها لم تتسلح بخبرات وتجارب عملية يجب أن تكتسبها من خلال فترات الدراسة المتوسطة أو الجامعية ،بما يساعدها على الاعتماد على الذات في كل أمورها الحياتية بدون الاعتماد الأساسي على الأسرة أو الدولة أو على كليهما ، وقد ساعد على تأصيل ذلك توافر مقومات الحياة الناعمة في بعض المجتمعات الغنية التي توفر لهم كل وسائل وسبل الرفاهية ، حتى أصبح شعار بعض الشباب إن لم يكن معظمه هو ” علمني .. دلعني .. وظفني.. وحتى زوجني أيضا”اعتمادا على أن تقدم له الدولة أو الأسرة كل ذلك بدون عناء أو جهد أو تعب ،
ولذلك علينا تبني سياسات جديدة تعتمد على تعظيم الثروة البشرية والتركيز على تأهيلها وتدريبها ،ولا نعتبرها عبئا كئيبا ثقيلا على الاقتصاد ، ونشتكى مر الشكوى من زيادتها , وتصنيفها كأكبر معوق في التنمية المستدامة ، أو إنها العبء الأكبر على ميزانية الدولة ،- وللأسف هناك بعض الدول العميقة والعريقة ىمثل مصر تتبنى هذه الرؤية – لأن الموارد البشرية التي لم يتم الاستفادة منها اقتصاديا ،من العوامل الضاغطة على المجتمعات وعلى الأسر، وتحمل الاقتصاد أعباء باهظة ، ويبدو ذلك عندما تعجز الإدارة عن حسن توظيف هذه الثروة وتفعيلها وتطويعها لتؤدي دورا حيويا وإنتاجيا يتوافق مع قدراتها وتأهيلها ، وجعلها مشروعا استثماريا طويل المدى ،باعتبارها أهم أركان التنمية الاقتصادية في كل المجتمعات ، ولذلك نجد الفروق الحقيقية بين المجتمعات تكمن في كيفية الاستفادة القصوى من الموارد البشرية ،وإعداد الأجيال القادمة الفاعلة في المجتمع وتسليحها بالتقنية والمعلومات التي تعد قيمة مضافة حقيقية غير منظورة ، والتركيز على إكسابهم المهارات العملية ،والدراسة المهنية في معاهد وكليات عميلة متخصصة ، كما يحدث في الدول التي تقدمت بدون أن تمتلك عناصر الإنتاج من الموارد الطبيعية أو المواد الخام ، ولكنها استثمرت مواردها البشرية بداية من التعليم الجيد والتدريب والتمكين والتأهيل ، من خلال الرؤية الإدارية الواعية الرشيدة وبعيدة النظر ، التي وضعت خريطة طريق واضحة ودقيقة تعمل من خلالها في توظيف طاقاتها وامكانياتها البشرية في كل القطاعات الانتاجية والخدمية وتصدير الفائض منها للأسواق المجاورة ، ولعلنا ندرك مبكرا أن العصا السحرية للتقدم الاقتصادي أو الاجتماعي تبدأ من الثروة البشرية ونظم التعليم المطبقة ،باعتبار أن الإنفاق على التعليم يعد استثمارا في تكوين رأس المال البشري ، وهو الأداة الفاعلة والمؤثرة في التنمية الشاملة ، باعتبار أن الاستثمارفي البشرأفضل وأهم الاستثمارات ، لأنه المحرك الأقوى والأكثر استدامة لتغذية قطاعات سوق العمل ومده باحتياجاته ومتطلباته الآنية والمستقبلية، ،خاصة أن المخصصات التعليمية التي تمثل جزءا من الناتج المحلي يجب مضاعفته لأكثر من خمس مرات على الأقل، ولا سيما أن بعض الدول لا تخصصه كاملا لتطوير جودة التعليم والبحوث العلمية المختلفة ، خاصة تلك التي تعني بتأهيل الشباب للحياة العملية ، بل تستنفذها في أعمال الشؤن الادارية والأجور والمرتبات والحوافز والمكافآت .