إدارة المخاطر في أسواق الاوراق المالية
د. محمد رياض جمزة
من الدروس التي يمكن أن تغني المعنيين بأسواق الأوراق المالية من مساهمين وشركات وهيئات الأسواق ، ما حدث لتلك الأسواق خلال الأزمة المالية العالمية ( 2008) ، وتبعاتها على عدد من الدول الأوروبية وأسواقها ، كاليونان و ايرلندا والبرتغال ، إذ تبيّن أن حكومات هذه الدول كانت تعتمد على تدوير الدين ، حتى إذا تفاقمت ، وأحدثت عجزا مرحلا في موازينها وتأجيلا أو عجزا على سداد ديونه ، بدأ مسؤولوها يستجدون العون المالي من ” الأقربين” دول الإتحاد الأوروبي الغنية ( ألمانيا وفرنسا) ، ومن صندوق النقد الدولي. وكادت اليونان و أيرلندا أن تعلنان إفلاسهما ، لولا تدخل من خشي إنهيار الإتحاد الأوربي كتجمع إقتصادي وعملته الموحدة ” اليورو”
وتسبب ضعف الاقتصاد في تلك الدول بالتبعات الجانبية ما لحق بالمتعاملين (Stake Holders ) في ( أسواق الأوراق المالية) في هذه الدول من خسائر ، فكُتب الكثير من التحليلات عن ( إدارة المخاطر في أسواق المال).
( (Risk management in the stock markets)
لعل أسواق الأوراق المالية ( البورصات ) تماثل الشركات في حاجتها للخبرة المتخصصة وللتخطيط ولإدارة المخاطر ذلك على إعتبار أن البورصات تواجه المتغيرات في التداولات حتى في اليوم الواحد ،والتي تلعب فيها عوامل داخلية وخارجية أدوارا مؤثرة في إتجاهات السوق وتقلباته ،وبما أن هناك متغيرات كثيرة تُفرض على المتعاملين في السوق ، فإن المخاطر من بين سمات أسواق المال ولا يمكن نفي وجودها .
إلاّ أن الهيئات المشرفة على أسواق المال التي تراقب و تتابع وتدرس وتحلل مسببات تراجع مؤشر السوق أو إرتفاعه ساعة بساعة ويوما بيوم ، تكون قد جمعت من الخبرة المتراكمة عن طبيعة المسببات لتراجع أو لصعود مؤشر السوق بما يمكنها من التعامل الحكيم في يوم عمل وتداول لتقليل المخاطر.
ويمكن تعريف إدارة المخاطر في أسواق المال بأنها (( عملية قياس وتقييم الخطورة ، ووضع التصور الواقعي لمواجهتها ، من خلال معرفة مسببات وقوعها بأساليب منسجمة مع طبيعة السوق في ضوء التحليل المالي لعناصر السوق)).فعلى المستثمر أن لا يضع توقعات غير واقعية للربح الذي يأمل تحقيقه . كما أن عليه أن يضع في حسابه أن التداول في سوق الأوراق المالية ليس ” مقامرة ” وليس ” ضربة حظ” ، إنها تعامل مدروس وفق ممكنات التنبؤ المبني على التحليل والمتابعة والخبرة.
وبما أن أسواق الأوراق المالية ( أسواق الأسهم ) توفر فرصا متكافئة للمستثمرين ليحققوا العائد المالي، غير أن عددا غير قليل منهم قد لا يوفّق بالحصول على عائد مُرضي ، وأن هناك من يتعرض للخسائر ، بسبب محدودية معرفته بالمخاطر التي ينطوي عليها التعامل في أسواق الأسهم ، كما أن البعض لا يعرف الكثير عن إدارة المخاطر في أسواق الأسهم.
فالعائد المتوقع من رأس المال المستثمر يعتمد على تقليص حجم المخاطر التي ترتبط بجهة الإستثمار .وإن المستثمرين،العارفين الذين خبروا طبيعة تطور تداول الأسهم ،لن يخاطروا بإستثمار أموالهم في أصول أو أنشطة ذات خطورة عالية ، لذلك نجد إنهم يرضون بعائد قليل من أكثر من جهة ، مفضل لديهم على عائد كبير محفوف بالمخاطر.وهناك نوعان من المخاطر الشائعة التي يجب أن يتنبه لها المستثمرون :
ـــــ مخاطر التقلبات اليومية: إذ أن من بين أهم المخاطر التي تعد ملازمة لأسواق المال التقلبات اليومية ،والتي تتأثر بحساسية مفرطة لمتغيرات سلبية ،ذاتية وخارجية، والتي تؤدي إلى خسائر غير متوقعة. غير أن تلك التقلبات يمكن التنبؤ بحدوثها بالخبرة الطويلة في طبيعة تطور التداولات في السوق.
ــــــ مخاطر التضخّم :أي المخاطر الناجمة عن إرتفاع أسعار السلع والخدمات مع تقادم الزمن ، والتي تعرف أيضا ب( مخاطر القوة الشرائية) ،و التي يتوجب التنبه إلى أنها من بين العوامل المؤثرة على الإستثمارات للآجال البعيدة . ،إذ أن القوّة الشرائية لرأس المال المستثمر تتقلص بفعل التضخم مع تقادم الزمن ، فقيمة السهم النقدية ، إنْ لم تحقق إرتفاعا يتناسب مع معدل التضخم ستضل خاسرة.
. وبما أن من غير الممكن أن يتمكن المستثمر من السيطرة على التضخم الذي تتعرض له الأسواق فإن إن المستثمر يتمكن من المناورة في التداولات يوما بيوم ، وبتخطيط يَستشرف المستثمرون من ذوي الخبرة تطورات السوق فيقللوا من مخاطر التضخم على الأموال المستثمرة لمدد أطول. وإن المستثمر المحترف العارف بطبيعة وتطور المخاطر التي تواجه أسواق الأسهم وكيفية السيطرة عليها وذلك قبل أن يقرر استثمار رأس ماله ،ومن بين أساليب التعامل مع المخاطر يمكن إستعراض إثنتين منها:
1- مخاطر التبادل : ويمكن التحوّط منها بما يلي من التدابير:
*قبل الشروع بقرار بيع أو شراء الأوراق المالية (Stock Trade ) يتعين على المستثمر دراسة واقع السوق ليوم تبادل وتطوراتها لأيام سبقت وتوجهاتها المتوقعة لأيام مقبلة ،وتحديد مستوى القبول بالمخاطرة خسارة وربحا .
* ويتوجب على المستثمر تحديد كمية الأوراق المالية التي سيتم تدولها وتحويلها إلى سيولة نقدية ، وفي ضوء تلك المعلومات يمكن إتخاذ قرار البيع أو الشراء في الحال.
* وتحديد المستوى الذي يجب التوقف عنده في حالة الخسائر،وذلك قبل إبرام الصفقات.
* وتحديد مستوى الربح المتوقع في البيع أو الشراء ، لأن التمادي بتحقيق الأرباح السريعة في أول جلسات السوق ،طالما إنعكست إلى التراجع في آخر ذلك اليوم ، إذ تتعرض الأوراق المالية المتصاعدة السعر للإنتكاسة بسبب تجاوز قيمتها الحقيقية .
* ويتعين إتخاذ قرار شراء الأوراق المالية بمستوى السعر المتعارف بقبوله ،ولتكن كمية الطلب بالمستوى المتوفر منها في السوق ، أي تتوجب متابعة وصول السعر والكمية عند نقطة التوازن التي يمكن أن تحدد الربح المتوقع.
* وحال إتمام صفقة بيع أو شراء ومصادقة السوق عليها يجب أن تكون نقطة مستوى الخسارة مماثلة للمستوى الذي حدده المستثمر من قبل ، لدرء المزيد من الخسائر.
* يجب الاكتفاء بالربح المتحقق عند تماثل مستواه مع المستوى المحدد من قبل .
* يحدد المستثمر حجم الخسائر المتوقعة دون أن تؤثر على جملة استثماراته ( وتحدد وفق مؤشر بنسبة مئوية) . ويفضل أن تتوزع إلإستثمارات على عدد من الأوراق المالية الأكثر إستقرارا في السوق . 2- مخاطر المضاربة :
بما أن المضاربة ( Speculation )، من حيث المبدأ ،مشروعة في أسواق الأوراق المالية ، فأنها ستكون حاضرة في إي سوق وعند أي تداول ، وأنها كانت ولا تزال وستبقى”الخطر” الذي لابد منه ،وبرغم الكثير من التحليلات التي تحمّل المضاربين أسباب التصدعات التي تتعرض لها الأسواق ، إلاّ أنها جزء من عمل الأسواق وأنشطتها ، وتكمن مخاطرها بدخول المضاربين من الذين يريدون تحقيق الربح السريع وهم ثلاثة أنواع :
ـــ المضاربون قليلو الخبرة توّاقون لدخول السوق والخروج منه بأرباح سريعة ، وقد يخرجون بالخسائر ، ويسيئون لغيرهم من حملة الأسهم ،وفكرتهم عن أسواق المال فكرة ” المقامر الجاهل”.
ــــ المضاربون التقليديون خبروا الأسواق وحرفة المضاربة ويتحركون بحذر وفق تطورات السوق ،ويديرون تبادلاتهم على أسس مهنية ،وأن أرباحهم تمثل مصدر رزقهم .
ـــــ المضاربة المغرضة ،و هي الأخطر، التي تمارسها بعض شركات وساطة وبعض الأفراد ، وفق تخطيط مسبق ،فيدخلون الأسواق ليثبتوا مكانتهم في الوقت الذي تكون فيه الأسواق في حالة تراجع فيشتروا أكبر كمية من الأوراق المالية المتراجعة السعر و التي خبروا إرتفاعها فيما بعد ، وعند إرتفعها يعمدوا إلى بيعها ، فيكونا قد حققوا الربح المستهدف والخروج من السوق مرة واحدة ، وبفعلهم تتصدع العديد من الأسواق حتى وصلت حد الإنهيار.
وتبقى هيئات الأسواق التي تمارس الرقابة والإشراف على سير التداولات يوما بيوم قادرة على تشخيص المخاطر وتوجيه المتعاملين مع السوق وتوعيتهم بسبل مواجهتها بالشفافية المعهودة.
ولعل أكبر المخاطر التي تتعرض لها اسواق المال مصدرها الشركات والمستثمرون ، صنّاع الأسواق، عندما يضخمون أصولهم بقيم غير حقيقية ، وعندما يخفون ضعف الحالة المالية بالتعتيم . كذلك فإن الفساد المالي في الإدارات العليا للشركات من بين إنهيار أسعار الأسهم . فهيئات الأسواق غير ملومة عن وقوع تلك المخاطر التي تسببها الشركات المساهمة ذات الإدارات السيئة أو الفاسدة.