أزمة أرامكو .. وأزمة النفط
محمد محمود عثمان
تبددت بعض المخاوف من حدوث أزمة خانقة في سوق النفط العالمية بعد الهجوم الذي تعرضت له منشآت أرامكو النفطية ،وبعد أن استعادت أرامكو بعضا من عافيتها ، وبعد أن ضخم البعض الأمور بالتهويل والعويل من حدوث أزمة عالمية ، بعد أن نجحت أرامكو في عودة معظم إنتاج النفط السعودي من منشآتها للمستويات القريبة من الطبيعية ، على الرغم من أن الإصلاحات ستأخذ بعضا من الوقت، قد يستغرق عدة أسابيع وفق تصرح وزير الطاقة السعودي ولسيت عدة أشهر كما روجت وسائل الإعلام الغربية لذلك
وقد تعاملت السعودية مع الموقف من خلال تقليل تصدير بعض أنواع النفط حتى تحافظ على كميات التصدير المعتادة للتخفيف من آثار الهجوم ، وهذا يدعونا إلى التفاؤل الحذر ولا ينبغي توقع زيادة هائلة أخرى في الأسعار ، التي من شأنها أن تؤدي إلى انهيارسوق النفط ، لأنه بعد أن ارتفعت الأسعار عقب الهجمات، توقع الجميع وبصوت عال حدوث أزمة نفط عالمية، وارتفاع حاد في الأسعار،
على الرغم من أن السوق متخمة بالنفط، وبالتالي فإن غياب جزء أو 25% من أصل 5.7 ملايين برميل يوميا من النفط السعودي، لن يؤثر في حجم المعروض بصورة تؤثر على مستويات الأسعارخاصة أن عقود النفط موقعة لثلاثة أشهرقادمة ، مما يعطى الثقة في أداء السوق عند توقيع العقود الآجلة، ما يقلل كثيرا من احتمالات وجود أزمة نفطية أو سلبيات على الاقتصاد العالمي، أو نقص كبير في الإمدادات ، باستثناء الأضرار التي لحقت بصادرات السعودية ، ومن ثم إذا اعتبرنا أن الأزمة هى الانخفاض في العرض والزيادة في الأسعار، فلا يمكن التأكيد على توقع زيادة أسعار النفط ، التى توقع المراقبون أن تصل إلى 100 دولارللبرميل هذا العام، مما حدا بالرئيس ترامب باستخدام الاحتياطي الاستراتيجي للحفاظ على إمدادات السوق ، لمعادلة الآثار السلبية لعدم استقرارالسوق وسط الأزمات الاقتصادية الأخرى التي يعاصرها العالم والعقوبات الاقتصادية على إيران التي تجعلها متحفزة للدفاع عن مصالحها وصادراتها النفطية ، وإن كان ترامب يستثمرالأزمة في بيع كميات من النفط الصخري الإمريكي على هامش الأزمة ، ولكن في المقابل يمكن لنا أن نتوقع الوضع العكسي مع احتمال انهيار الأسعار، وهذا السيناريو يرتبط بشكل أكبر بالحرب التجارية و التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم التي تكبح الطلب على النفط الخام، لأنه في خضم التهديدات بين أمريكا والصين بفرض رسوم جمركية متبادلة على البضائع، يسير نمو الطلب العالمي على النفط بأبطأ وتيرة منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، ومن ثم فإن ذلك يؤدي إلى تراجع أسعار النفط، لتقدم سبباً آخر للقلق في أسواق الشرق الأوسط، ودول الخليج بالتحديد، التي تعتمد في دخلها على النفط بشكل رئيسي، كما ينعكس تراجع نمو الاقتصاد الصيني سلباً على دول الخليج من حيث تراجع عائداتها النفطية، باعتبارأن الصين من أكبرالمستوردين الرئيسيين للنفط الخليجي،ومن هنا ليست الأحداث في المملكة العربية السعودية وحدها الفاعل أو المؤثر الرئيسي في أزمة النفط ، خاصة إذا حدث انخفاض حاد في الطلب على نفط الخليج ، نتيجة للبحث عن البدائل إذا استمرت الصعوبات في تلبية أرامكو لعقود النفط العربي الخفيف لبعض المصافي في آسيا،ولا سيما أن التوتر سيظل قائما في الشرق الأوسط ، لكونه ساحة لصراع المصالح الاقتصادية بين القوى الإقليمية والعالمية، في ظل عدم التوصل إلى تسوية لقضايا التوتر العسكري والملف النووي بين إيران وواشنطن من جهة، ووقف الحرب السعودية الإماراتية على اليمن من جهة أخرى،الأمرالذي يجعل الوضع الأمني بالمنطقة هشا، ما يجعل السوق النفطية قلقة من احتمال تعرض المنشآت النفطية السعودية لهجوم جديد في المستقبل، مع ضعف الحماية الأمنية للمنشئات النفطية ، وربما يقود ذلك إلى أخطاء غير محسوبة تضر بالاقتصاد العالمي ، ما يترك الباب مفتوحاً لاحتمالات ارتفاع الأسعار بسبب الأخطار الجيوسياسية والتوترات العسكرية بالمنطقة الخليجية الغنية بالنفط، التي ستظل تحت التهديد ، طالما ظلت القدرات الدفاعية العربية عاجزة عن تقديم الحماية الذاتية اللازمة لثرواتها ولمنتجاتها النفطية ، أوأنها ظلت تعتمد في الحماية على دول الغرب التي تبتز الدول النفطية في مقابل تقديم الحماية والدفاع أو بيع المزيد من الأسلحة